فلما قضي حق ذلك ثني العنان إلى ذلك الإنسان فحصل من هذا النظم البديع محسّن ردّ العجز على الصدر ، ومحسن الطباق بين الميمنة والمشأمة.
وقد عرف آنفا أن المشأمة منزلة الإهانة والغضب ، ولذلك أتبع بقوله : (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ)
وضمير الفصل في قوله : (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) لتقوية الحكم وليس للقصر ، إذ قد استفيد القصر من ذكر الجملة المضادة للتي قبلها وهي (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)
و (مُؤْصَدَةٌ) اسم مفعول من أوصد الباب بالواو. ويقال : أأصد بالهمز وهما لغتان ، قيل : الهمز لغة قريش وقيل : معناه جعله وصيدة. والوصيدة : بيت يتخذ من الحجارة في الجبال لحفظ الإبل. فقرأ الجمهور : موصدة بواو ساكنة بعد الميم من أوصد بالواو ، وقرأه أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بهمزة ساكنة بعد الميم منءاصد الباب ، بهمزتين بمعنى وصده.
وجملة : (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) بدل اشتمال من جملة (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) أو استئناف بياني ناشئ عن الإخبار عنهم بأنهم أصحاب المشأمة.
و (عَلَيْهِمْ) متعلق ب (مُؤْصَدَةٌ) ، وقدم على عامله للاهتمام بتعلق الغلق عليهم تعجيلا للترهيب.
وقد استتب بهذا التقديم رعاية الفواصل بالهاء ابتداء من قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد : ١١].
وإسناد الموصديّة إلى النار مجاز عقلي ، والموصد هو موضع النار ، أي جهنم.