بقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) لأن المهم هو اختلاف أحوال الساعين ويلازمهم السعي فإيقاعهم في التفصيل بحسب مساعيهم يساوي إيقاع المساعي في التفصيل ، وهذا تفنن من أفانين الكلام الفصيح يحصل منه معنيان كقول النابغة :
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي |
|
على وعل في ذي المطارة عاقل |
أي على مخافة وعل.
ومنه قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلخ في سورة البقرة [١٧٧].
وقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٩] الآية ، أي كإيمان من آمن بالله.
وانحصر تفصيل «شتى» في فريقين : فريق ميسّر لليسرى وفريق ميسّر للعسرى ، لأن الحالين هما المهم في مقام الحث على الخير ، والتحذير من الشر ، ويندرج فيهما مختلف الأعمال كقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) في سورة الزلزلة [٦ ـ ٨]. ويجوز أن يجعل تفصيل «شتى» هم من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى ، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى وذلك عدد يصح أن يكون بيانا لشتّى.
و (مَنْ) في قوله : (مَنْ أَعْطى) إلخ وقوله : (مَنْ بَخِلَ) إلخ يعم كل من يفعل الإعطاء ويتقي ويصدّق بالحسنى. وروي أن هذا نزل بسبب أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأعتقه لينجيه من تعذيب أمية بن خلف ، ومن المفسرين من يذكر أبا سفيان بن حرب عوض أمية بن خلف ، وهم وهم.
وقيل : نزلت في قضية أبي الدحداح مع رجل منافق ستأتي. وهذا الأخير متقض أن السورة مدنية وسبب النزول لا يخصص العموم.
وحذف مفعول (أَعْطى) لأن فعل الإعطاء إذا أريد به إعطاء المال بدون عوض ، ينزّل منزلة اللازم لاشتهار استعماله في إعطاء المال (ولذلك يسمى المال الموهوب عطاء) ، والمقصود إعطاء الزكاة.
وكذلك حذف مفعول (اتَّقى) لأنه يعلم أن المقدّر اتّقى الله.
وهذه الخلال الثلاث من خلال الإيمان ، فالمعنى : فأما من كان من المؤمنين كما