وضمير (فِيها) على هذه الوجوه عائد إلى (جَهَنَّمَ) [النبأ : ٢١].
ويجوز أن تكون صفة ل (أَحْقاباً) [النبأ : ٢٣] ، أي لا يذوقون في تلك الأحقاب بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا. فضمير (فِيها) على هذا الوجه عائد إلى الأحقاب.
وحقيقة الذوق : إدراك طعم الطعام والشراب. ويطلق على الإحساس بغير الطعوم إطلاقا مجازيا. وشاع في كلامهم ، يقال : ذاق الألم ، وعلى وجدان النفس كقوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) [المائدة : ٩٥]. وقد استعمل هنا في معنييه حيث نصب (بَرْداً) و (شَراباً).
والبرد : ضد الحرّ ، وهو تنفيس للذين عذابهم الحر ، أي لا يغاثون بنسيم بارد ، والبرد ألذّ ما يطلبه المحرور. وعن مجاهد والسدّي وأبي عبيدة ونفر قليل تفسير البرد بالنوم وأنشدوا شاهدين غير واضحين ، وأيّا ما كان فحمل الآية عليه تكلف لا داعي إليه ، وعطف (وَلا شَراباً) يناكده. والشراب : ما يشرب والمراد به الماء الذي يزيل العطش. والحميم : الماء الشديد الحرارة.
والغساق : قرأه الجمهور بتخفيف السين : وقرأه حمزة والكسائي وحفص بتشديد السين وهما لغتان فيه. ومعناه الصديد الذي يسيل من جروح الحرق وهو المهل ، وتقدما في سورة (ص).
واستثناء (حَمِيماً وَغَسَّاقاً) من (بَرْداً) أو (شَراباً) على طريقة اللف والنشر المرتب ، وهو استثناء منقطع لأن الحميم ليس من جنس البرد في شيء إذ هو شديد الحرّ ، ولأن الغساق ليس من جنس الشراب ، إذ ليس المهل من جنس الشراب.
والمعنى : يذوقون الحميم إذ يراق على أجسادهم ، والغساق إذ يسيل على مواضع الحرق فيزيد ألمهم.
وصورة الاستثناء هنا من تأكيد الشيء بما يشبه ضده في الصورة.
و (جَزاءً) منصوب على الحال من ضمير (يَذُوقُونَ) ، أي حالة كون ذلك جزاء ، أي مجازى به ، فالحال هنا مصدر مؤول بمعنى الوصف وهو أبلغ من الوصف.
والوفاق : مصدر وافق وهو مؤول بالوصف ، أي موافقا للعمل الذي جوزوا عليه ، وهو التكذيب بالبعث وتكذيب القرآن كما دل عليه التعليل بعده بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا لا