المدة من ولادته.
والإيواء : مصدر أوى إلى البيت ، إذا رجع إليه ، فالإيواء : الإرجاع إلى المسكن ، فهمزته الأولى همزة التعدية ، أي جعله آويا ، وقد أطلق الإيواء على الكفالة وكفاية الحاجة مجازا أو استعارة ، فالمعنى أنشأك على كمال الإدراك والاستقامة وكنت على تربية كاملة مع أن شأن الأيتام أن ينشئوا على نقائص لأنهم لا يجدون من يعنى بتهذيبهم وتعهد أحوالهم الخلقية. وفي الحديث «أدبني ربي فأحسن تأديبي» فكان تكوين نفسه الزكية على الكمال خيرا من تربية الأبوين.
والضّلال : عدم الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى مكان مقصود سواء سلك السائر طريقا آخر يبلغ إلى غير المقصود أم وقف حائرا لا يعرف أيّ طريق يسلك ، وهو المقصود هنا لأن المعنى : أنك كنت في حيرة من حال أهل الشرك من قومك فأراكه الله غير محمود وكرّهه إليك ولا تدري ما ذا تتبع من الحق ، فإن الله لما أنشأ رسوله صلىاللهعليهوسلم على ما أراد من إعداده لتلقي الرسالة في الإبان ، ألهمه أن ما عليه قومه من الشرك خطأ وألقى في نفسه طلب الوصول إلى الحق ليتهيأ بذلك لقبول الرسالة عن الله تعالى.
وليس المراد بالضلال هنا اتباع الباطل ، فإن الأنبياء معصومون من الإشراك قبل النبوءة باتفاق علمائنا ، وإنما اختلفوا في عصمتهم من نوع الذنوب الفواحش التي لا تختلف الشرائع في كونها فواحش وبقطع النظر عن التنافي بين اعتبار الفعل فاحشة وبين الخلوّ عن وجود شريعة قبل النبوءة ، فإن المحققين من أصحابنا نزهوهم عن ذلك والمعتزلة منعوا ذلك بناء على اعتبار دليل العقل كافيا في قبح الفواحش على إرسال كلامهم في ضابط دلالة العقل. ولم يختلف أصحابنا أن نبينا صلىاللهعليهوسلم لم يصدر منه ما ينافي أصول الدين قبل رسالته ولم يزل علماؤنا يجعلون ما تواتر من حال استقامته ونزاهته عن الرذائل قبل نبوءته دليلا من جملة الأدلة على رسالته ، بل قد شافه القرآن به المشركين بقوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [يونس : ١٦] وقوله : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [المؤمنون : ٦٩] ، ولأنه لم يؤثر أن المشركين أفحموا النبي صلىاللهعليهوسلم فيما أنكر عليهم من مساوي أعمالهم بأن يقولوا فقد كنت تفعل ذلك معنا.
والعائل : الذي لا مال له ، والفقر يسمى عيلة ، قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) [التوبة : ٢٨] وقد أغناه الله غناءين : أعظمهما غنى القلب إذ ألقى في قلبه قلة الاهتمام بالدنيا ، وغنى المال حين ألهم خديجة مقارضته في تجارتها.