ومن المفسرين من فسر (يَرْجُونَ) بمعنى : يخافون ، وهو تفسير بحاصل المعنى ، وليس تفسيرا للّفظ.
وفعل (كانُوا) دال على أن انتفاء رجائهم الحساب وصف متمكن من نفوسهم وهم كائنون عليه ، وليس المراد بفعل (كانُوا) أنهم كانوا كذلك فانقضى لأن هذه الجملة إخبار عنهم في حين نزول الآية وهم في الدنيا وليست مما يقال لهم أو عنهم يوم القيامة.
وجيء بفعل (يَرْجُونَ) مضارعا للدلالة على استمرار انتفاء ما عبر عنه بالرجاء ، وذلك لأنهم كلما أعيد لهم ذكر يوم الحساب جدّدوا إنكاره وكرروا شبهاتهم على نفي إمكانه لأنهم قالوا : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢].
والحساب : العدّ ، أي عدّ الأعمال والتوقيف على جزائها ، أي لا يرجون وقوع حساب على أعمال العباد يوم الحشر.
و (كَذَّبُوا) عطف على (لا يَرْجُونَ) ، أي وإنهم كذبوا بآياتنا ، أي بآيات القرآن.
والمعنى : كذبوا ما اشتملت عليه الآيات من إثبات الوحدانية ، ورسالة محمدصلىاللهعليهوسلم.
ولكون تكذيبهم بذلك قد استقر في نفوسهم ولم يترددوا فيه جيء في جانبه بالفعل الماضي لأنهم قالوا : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥].
وكذّاب : بكسر الكاف وتشديد الذال مصدر كذّب. والفعّال بكسر أوله وتشديد عينه مصدر فعّل مثل التفعيل ، ونظائره : القصّار مصدر قصّر ، والقضّاء مصدر قضّى ، والخرّاق مصدر خرّق المضاعف ، والفسار مصدر فسّر. وعن الفراء أن أصل هذا المصدر من اللغة اليمنية ، يريد : وتكلم به العرب ، فقد أنشدوا لبعض بني كلاب :
لقد طال ما ثبّطتني عن صحابتي |
|
وعن حوج قضّاؤها من شفائيا |
وأوثر هذا المصدر هنا دون تكذيب لمراعاة التماثل في فواصل هذه السورة ، فإنها على نحو ألف التأسيس في القوافي ، والفواصل كالأسجاع ويحسن في الأسجاع ما يحسن في القوافي.
وفي «الكشاف» : وفعّال فعّل كلّه فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره.
وانتصب (كِذَّاباً) على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله لإفادة شدة تكذيبهم بالآيات.