تلائم ما فطر الله عليه نفسه من الزكاة والسمو ولا يجد بدا من مسايرتهم عليه فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة ، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسّره الله عليه بقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) إلى قوله : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) [الأعلى : ٦ ـ ٨].
و (أَنْقَضَ) جعل الشيء ذا نقيض ، والنقيض صوت صرير المحمل والرحل وصوت عظام المفاصل ، وفرقعة الأصابع ، وفعله القاصر من باب نصر ويعدّى بالهمزة.
وإسناد (أَنْقَضَ) إلى الوزر مجاز عقلي ، وتعديته إلى الظهر تبع لتشبيه المشقة بالحمل ، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاق الشديدة ، بالحمولة المثقلة بالإجمال تثقيلا شديدا حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير. وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه.
ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم.
واعلم أن في قوله : (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) اتصال حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلمات بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء. والعرب فصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَسَبِّحْهُ) [الإنسان : ٢٦] في اجتماع الحاء مع الهاء ، وذلك حيث لا يصح الإدغام. وقد أوصى علماء التجويد بإظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) [الفرقان : ٢٧] ولها نظائر في القرآن.
وهذه الآية هي المشتهرة ولم يزل الأئمة في المساجد يتوخون الحذر من إبدال أحد هذين الحرفين بالآخر للخلاف الواقع بين الفقهاء في بطلان صلاة اللحّان ومن لا يحسن القراءة مطلقا أو إذا كان عامدا إذا كان فذا وفي بطلان صلاة من خلفه أيضا إذا كان اللاحن إماما.
ورفع الذكر : جعل ذكره بين الناس بصفات الكمال ، وذلك بما نزل من القرآن ثناء عليه وكرامة. وبإلهام الناس التحدث بما جبله الله عليه من المحامد منذ نشأته.
وعطف (وَوَضَعْنا) و (رَفَعْنا) بصيغة المضي على فعل (نَشْرَحْ) بصيغة المضارع لأن (لم) قلبت زمن الحال إلى المضي فعطف عليه الفعلان بصيغة المضي لأنهما داخلان