وأوجد الأصول الأولى في بدء الخليقة كما قال تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وخلق أسباب تولد الفروع من الأصول فتناسب منها ذرياتهم كما قال : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الأعراف : ١١].
وتعريف (الْإِنْسانَ) يجوز أن يكون تعريف الجنس ، وهو التعريف الملحوظ فيه مجموع الماهية مع وجودها في الخارج في ضمن بعض أفرادها أو جميع أفرادها.
ويحمل على معنى : خلقنا جميع الناس في أحسن تقويم.
ويجوز أن يكون تعريف (الْإِنْسانَ) تعريف الحقيقة نحو قولهم : الرجل خير من المرأة ، وقول امرئ القيس :
الحرب أول ما تكون فتية
فلا يلاحظ فيه أفراد الجنس بل الملحوظ حالة الماهية في أصلها دون ما يعرض لأفرادها مما يغير بعض خصائصها. ومنه التعريف الواقع في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ، وقد تقدم في سورة المعارج [١٩].
والتقويم : جعل الشيء في قوام (بفتح القاف) ، أي عدل وتسوية ، وحسن التقويم أكمله وأليقه بنوع الإنسان ، أي أحسن تقويم له ، وهذا يقتضي أنه تقويم خاص بالإنسان لا يشاركه فيه غيره من المخلوقات ، ويتضح ذلك في تعديل القوى الظاهرة والباطنة بحيث لا تكون إحدى قواه موقعة له فيما يفسده ، ولا يعوق بعض قواه البعض الآخر عن أداء وظيفته فإن غيره من جنسه كان دونه في التقويم.
وحرف (فِي) يفيد الظرفية المجازية المستعارة لمعنى التمكن والملك فهي مستعملة في معنى باء الملابسة أو لام الملك ، وإنما عدل عن أحد الحرفين الحقيقيين لهذا المعنى إلى حرف الظرفية لإفادة قوة الملابسة أو قوة الملك مع الإيجاز ولو لا الإيجاز لكانت مساواة الكلام أن يقال : لقد خلقنا الإنسان بتقويم مكين هو أحسن تقويم.
فأفادت الآية أن الله كوّن الإنسان تكوينا ذاتيا متناسبا ما خلق له نوعه من الإعداد لنظامه وحضارته ، وليس تقويم صورة الإنسان الظاهرة هو المعتبر عند الله تعالى ولا جديرا بأن يقسم عليه إذ لا أثر له في إصلاح النفس ، وإصلاح الغير ، والإصلاح في الأرض ، ولأنه لو كان هو المراد لذهبت المناسبة التي في القسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين. وإنما هو متمّم لتقويم النفس قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا