المرات الثلاث (اقْرَأْ) إعادة للفظ المنزل من الله إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل.
ولم يذكر لفعل (اقْرَأْ) مفعول ، إما لأنه نزل منزلة اللازم وأن المقصود أوجد القراءة ، وإما لظهور المقروء من المقام ، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن.
وقوله (بِاسْمِ رَبِّكَ) فيه وجوه :
أولها : أن يكون افتتاح كلام بعد جملة (اقْرَأْ) وهو أول المقروء ، أي قل : باسم الله ، فتكون الباء للاستعانة فيجوز تعلقه بمحذوف تقديره : ابتدئ ويجوز أن يتعلق ب (اقْرَأْ) الثاني فيكون تقديمه على معموله للاهتمام بشأن اسم الله. ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة ، وإقحام كلمة (اسم) لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته كما تقدم في الكلام على البسملة ، وهذا الوجه يقتضي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (بِسْمِ اللهِ) حين تلقّى هذه الجملة.
الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة ويكون المجرور في موضع الحال من ضمير (اقْرَأْ) الثاني مقدّما على عامله للاختصاص ، أي اقرأ ما سيوحى إليك مصاحبا قراءتك (اسم ربك). فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله ، ويكون هذا إثباتا لوحدانية الله بالإلهية وإبطالا للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون يقولون : باسم اللات ، باسم العزى ، كما تقدم في البسملة. فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوحي.
الثالث : أن تكون الباء بمعنى (على) كقوله تعالى : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] ، أي على قنطار. والمعنى : اقرأ على اسم ربك ، أي على إذنه ، أي أن الملك جاءك على اسم ربك ، أي مرسلا من ربك ، فذكر (اسم) على هذا متعين.
وعدل عن اسم الله العلم إلى صفة (رَبِّكَ) لما يؤذن وصف الرب من الرأفة بالمربوب والعناية به ، مع ما يتأتى بذكره من إضافته إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم إضافة مؤذنة بأنه المنفرد بربوبيته عنده ردا على الذين جعلوا لأنفسهم أربابا من دون الله فكانت هذه الآية أصلا للتوحيد في الإسلام.
وجيء في وصف الربّ بطريق الموصول (الَّذِي خَلَقَ) ولأن في ذلك استدلالا على انفراد الله بالإلهية لأن هذا القرآن سيتلى على المشركين لما تفيده الموصولية من الإيماء