فانتقل من ترهيب الكافرين بما سيلاقونه إلى ترغيب المتقين فيما أعدّ لهم في الآخرة من كرامة ومن سلامة مما وقع فيه أهل الشرك.
فالجملة متصلة بجملة (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً) [النبأ : ٢١ ـ ٢٢] وهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا بمناسبة مقتضي الانتقال.
وافتتاحها بحرف (إِنَ) للدلالة على الاهتمام بالخبر لئلا يشك فيه أحد.
والمقصود من المتقين المؤمنون الذين آمنوا بالنبيء صلىاللهعليهوسلم واتبعوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه لأنهم المقصود من مقابلتهم بالطاغين المشركين.
والمفاز : مكان الفوز وهو الظفر بالخير ونيل المطلوب. ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الفوز ، وتنوينه للتعظيم.
وتقديم خبر (إِنَ) على اسمها للاهتمام به تنويها بالمتقين.
والمراد بالمفاز : الجنة ونعيمها. وأوثرت كلمة (مَفازاً) على كلمة : الجنة ، لأن في اشتقاقه إثارة الندامة في نفوس المخاطبين بقوله : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) [النبأ : ١٨] وبقوله: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠].
وأبدل (حَدائِقَ) من (مَفازاً) بدل بعض من كل باعتبار أنه بعض من مكان الفوز ، أو بدل اشتمال باعتبار معنى الفوز.
والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من النخيل والأشجار ذوات الساق المحوطة بحائط أو جدار أو حضائر.
والأعناب : جمع عنب وهو اسم يطلق على شجرة الكرم ويطلق على ثمرها.
والكواعب : جمع كاعب ، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها. ووصفت بكاعب لأنها تكعّب ثديها ، أي صار كالكعب ، أي استدار ونتأ ، يقال : كعبت من باب قعد ، ويقال : كعّبت بتشديد العين ، ولما كان كاعب وصفا خاصا بالمرأة لم تلحقه هاء التأنيث وجمع على فواعل.
والأتراب : جمع ترب بكسر فسكون : هو المساوي غيره في السنّ ، وأكثر ما يطلق على الإناث. قيل : هو مشتق من التراب فقيل لأنه حين يولد يقع على التراب مثل الآخر ، أو لأن الترب ينشأ مع لدته في سنّ الصّبا يلعب بالتراب.