وجملة : (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) كالنتيجة لكونهم في نار جهنم خالدين فيها فلذلك فصلت عن الجملة التي قبلها وهو إخبار بسوء عاقبتهم في الآخرة وأريد بالبريئة هنا البريئة المشهورة في الاستعمال وهم البشر ، فلا اعتبار للشياطين في هذا الاسم وهذا يشبه الاستغراق العرفي.
والبريئة : فعيلة من برأ الله الخلق ، أي صورهم.
ومعنى كونهم (شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أنهم أشد الناس شرا ، ف (شَرُّ) هنا أفعل تفضيل أصله أشر مثل خير الذي هو بمعنى أخير ، فإضافة (شَرُّ) إلى (الْبَرِيَّةِ) على نية (مِنْ) التفضيلية.
وإنما كانوا كذلك لأنهم ضلوا بعد تلبسهم بأسباب الهدى ، فأما أهل الكتاب فلأن لديهم كتابا فيه هدى ونور فعدلوا عنه ، وأما المشركون فلأنهم كانوا على الحنيفية فأدخلوا فيها عبادة الأصنام ثم إنهم أصرّوا على دينهم بعد ما شاهدوا من دلائل صدق محمدصلىاللهعليهوسلم وما جاء به القرآن من الإعجاز والإنباء بما في كتب أهل الكتاب ، وذلك مما لم يشاركهم فيه غيرهم فقد اجتنوا لأنفسهم الشر من حيث كانوا أهلا لنوال الخير فحسرتهم على أنفسهم يوم القيامة أشد من حسرة من عداهم فكان الفريقان شرا من الوثنيين والزنادقة في استحقاق العقاب لا فيما يرجى منهم من الاقتراب.
وأقحم اسم الإشارة بين اسم (إِنَ) وخبرها للتنبيه على أنهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة من أجل الأوصاف التي قبل اسم الإشارة كما في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. وتوسيط ضمير الفصل لإفادة اختصاصهم بكونهم شر البريئة لا يشاركهم في ذلك غيرهم من فرق أهل الكفر لما علمت آنفا. ولا يرد أن الشياطين أشد شرا منهم لما علمت أن اسم البريئة اعتبر إطلاقه على البشر.
و (الْبَرِيَّةِ) قرأه نافع وحده وابن ذكوان عن ابن عامر بهمز بعد الياء فعلية من برأ الله ، إذا خلق.
وقرأه بقية العشرة بياء تحتية مشددة دون همز على تسهيل الهمزة بعد الكسرة ياء وإدغام الياء الأولى في الياء الثانية تخفيفا.
وإثبات الهمزة لغة أهل الحجاز ، والتخفيف لغة بقية العرب ، كما تركوا الهمز في الدّريّة والنبيّ. قال سيبويه : ليس أحد من العرب إلا ويقول : تنبأ مسيلمة بالهمز غير أنهم