المعنى إذ كان المقام حقيقا ، فالتقرير لقصد التوصل به إلى الدلالة على إبطال زعم المشركين شفاعة أصنامهم لهم عند الله ، وهي دلالة بطريق الفحوى فإنه إذا نفي تكلمهم بدون إذن نفيت شفاعتهم إذ الشفاعة كلام من له وجاهة وقبول عند سامعه.
وليبنى عليها الاستثناء لبعد ما بين المستثنى والمستثنى منه بمتعلقات (يَمْلِكُونَ) [النبأ: ٣٧] من مجرور ومفعول به ، وظرف ، وجملة أضيف لها.
وضمير (يَتَكَلَّمُونَ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (يَمْلِكُونَ).
والقول في تخصيص (لا يَتَكَلَّمُونَ) مثل القول في تخصيص (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) [النبأ : ٣٧] وقوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [طه : ١٠٩] استثناء من ضمير (لا يَتَكَلَّمُونَ) وإذ قد كان مؤكدا لضمير (لا يَمْلِكُونَ) فالاستثناء منه يفهم الاستثناء من المؤكّد به.
والقيام : الوقوف وهو حالة الاستعداد للعمل الجد وهو من أحوال العبودية الحق التي لا تستحق إلا لله تعالى. وفي الحديث : «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار»، أي لأن ذلك من الكبرياء المختصة بالله تعالى.
والرّوح : اختلف في المراد منه اختلافا أثاره عطف الملائكة عليه فقيل هو جبريل.
وتخصيصه بالذكر قبل ذكر الملائكة المعطوف عليه لتشريف قدره بإبلاغ الشريعة ، وقيل المراد : أرواح بني آدم.
واللام لتعريف الجنس : فالمفرد معها والجمع سواء. والمعنى : يوم تحضر الأرواح لتودع في أجسادها ، وعليه يكون فعل (يَقُومُ) مستعملا في حقيقته ومجازه.
و (الْمَلائِكَةُ) عطف على (الرُّوحُ) ، أي ويقوم الملائكة صفّا.
والصف اسم للأشياء الكائنة في مكان يجانب بعضها بعضا كالخط. وقد تقدم في قوله تعالى : (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) في سورة طه [٦٤] ، وفي قوله : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) في سورة الحج [٣٦] ، وهو تسمية بالمصدر من إطلاق المصدر على اسم الفاعل ، وأصله للمبالغة ثم صار اسما ، وإنما يصطف الناس في المقامات التي يكون فيها أمر عظيم فصفّ الملائكة تعظيم لله وخضوع له.
والإذن : اسم للكلام الذي يفيد إباحة فعل للمأذون ، وهو مشتق من : أذن له ، إذا استمع إليه قال تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) [الانشقاق : ٢] ، أي استمعت وأطاعت لإرادة