حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : ١ ، ٢] على أحد الوجوه المتقدمة.
فالرؤية يجوز أن تكون مجازية مستعارة للعلم البالغ من اليقين حد الأمر المرئي لتواتر ما فعل الله بأصحاب الفيل بين أهل مكة وبقاء بعض آثار ذلك يشاهدونه. وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هاني بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة. وقال عتاب بن أسيد : أدركت سائس الفيل وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس. وقالت عائشة : لقد رأيت قائد الفيل وسائقة أعميين يستطعمان الناس. وفعل الرؤية معلق بالاستفهام.
ويجوز أن تكون الرؤية بصرية بالنسبة لمن تجاوز سنه نيفا وخمسين سنة عند نزول الآية ممن شهد حادث الفيل غلاما أو فتى مثل أبي قحافة وأبي طالب وأبي بن خلف.
و (كَيْفَ) للاستفهام سدّ مسدّ مفعولي أو مفعول (تَرَ) ، أي لم تر جواب هذا الاستفهام ، كما تقول : علمت هل زيد قائم؟ وهو نصب على الحال من فاعل (تَرَ) ويجوز أن يكون (كَيْفَ) مجردا عن معنى الاستفهام مرادا منه مجرد الكيفية فيكون نصبا على المفعول به.
وإيثار (كَيْفَ) دون غيره من أسماء الاستفهام أو الموصول فلم يقل : ألم تر ما فعل ربك ، أو الذي فعل ربك ، للدلالة على حالة عجيبة يستحضرها من يعلم تفصيل القصة.
وأوثر لفظ (فَعَلَ رَبُّكَ) دون غيره لأن مدلول هذا الفعل يعم أعمالا كثيرة لا يدل عليها غيره.
وجيء في تعريف الله سبحانه بوصف (رب) مضافا إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم إيماء إلى أن المقصود من التذكير بهذه القصة تكريم النبي صلىاللهعليهوسلم إرهاصا لنبوءته إذ كان ذلك عام مولده.
وأصحاب الفيل : الحبشة الذين جاءوا مكة غازين مضمرين هدم الكعبة انتقاما من العرب من أجل ما فعله أحد بني كنانة الذين كانوا أصحاب النسيء في أشهر الحج. وكان خبر ذلك وسببه أن الحبشة قد ملكوا اليمن بعد واقعة الأخدود التي عذّب فيها الملك ذو نواس النصارى ، وصار أمير الحبشة على اليمن رجلا يقال له : (أبرهة) وأن أبرهة بنى كنيسة عظيمة في صنعاء دعاها القليس (بفتح القاف وكسر اللام بعد ما تحتية ساكنة ،