وقال الزجاج في قوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر : ٣] دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره ا ه. وهو معنى ما في «الكشاف». وسكتا عن منشإ حصول معنى الشرط وذلك أن مثل هذا جار عند تقديم الجار والمجرور ، ونحوه من متعلقات الفعل وانظر قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) في سورة البقرة [٤٠] ، ومنه قوله تعالى : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) في سورة يونس [٥٨] وقوله : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) في سورة الشورى [١٥]. وقول النبي صلىاللهعليهوسلم للذي سأله عن الجهاد فقال له : «ألك أبوان؟ فقال : نعم. قال : ففيهما فجاهد».
ويجوز أن تجعل اللام متعلقة بفعل (اعجبوا) محذوفا ينبئ عنه اللام لكثرة وقوع مجرور بها بعد مادة التعجب ، يقال : عجبا لك ، وعجبا لتلك قضية ، ومنه قول امرئ القيس : «فيا لك من ليل» لأن حرف النداء مراد به التعجب فتكون الفاء في قوله : (فَلْيَعْبُدُوا) تفريعا على التعجيب.
وجوّز الفراء وابن إسحاق في «السيرة» أن يكون (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) متعلقا بما في سورة الفيل [٥] من قوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) قال القرطبي : وهو معنى قول مجاهد ورواية ابن جبير عن ابن عباس. قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلّا به ا ه. يعنون أن هذه السورة وإن كانت سورة مستقلة فهي ملحقة بسورة الفيل فكما تلحق الآية بآية نزلت قبلها ، تلحق آيات هي سورة فتتعلق بسورة نزلت قبلها.
والإيلاف : مصدر أألف بهمزتين بمعنى ألف وهما لغتان ، والأصل هو ألف ، وصيغة الإفعال فيه للمبالغة لأن أصلها أن تدل على حصول الفعل من الجانبين ، فصارت تستعمل في إفادة قوة الفعل مجازا ، ثم شاع ذلك في بعض ذلك الأفعال حتى ساوى الحقيقة مثل سافر ، وعافاه الله ، وقاتلهم الله.
وقرأه الجمهور في الموضعين (لِإِيلافِ) بياء بعد الهمزة وهي تخفيف للهمزة الثانية. وقرأ ابن عامر «لإلاف» الأول بحذف الياء التي أصلها همزة ثانية ، وقرأه (إِيلافِهِمْ) بإثبات الياء مثل الجمهور. وقرأ أبو جعفر «ليلاف قريش» بحذف الهمزة الأولى. وقرأ «إلافهم» بهمزة مكسورة من غير ياء.
وذكر ابن عطية والقرطبي أن أبا بكر عن عاصم قرأ بتحقيق الهمزتين في «لإألاف» وفي «إألافهم» ، وذكر ابن عطية عن أبي علي الفارسي أن تحقيق الهمزتين لا وجه له.