بسم الله الرّحمن الرّحيم
١٠٨ ـ سورة الكوثر
سميت هذه السورة في جميع المصاحف التي رأيناها وفي جميع التفاسير أيضا «سورة الكوثر» وكذلك عنونها الترمذي في كتاب التفسير من «جامعه». وعنونها البخاري في «صحيحه» سورة : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ولم يعدّها في «الإتقان» مع السور التي لها أكثر من اسم. ونقل سعد الله الشهير بسعدي في «حاشيته على تفسير البيضاوي» عن البقاعي أنها تسمى «سورة النحر».
وهل هي مكية أو مدنية؟ تعارضت الأقوال والآثار في أنها مكية أو مدنية تعارضا شديدا ، فهي مكية عند الجمهور واقتصر عليه أكثر المفسرين ، ونقل الخفاجي عن كتاب «النشر» قال : أجمع من نعرفه على أنها مكية. قال الخفاجي : وفيه نظر مع وجود الاختلاف فيها.
وعن الحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة : هي مدنية ويشهد لهم ما في «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك : «بينا رسول الله ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال : أنزلت عليّ آنفا سورة فقرأبسم الله الرحمن الرحيم : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ١ ـ ٣] ثم قال : أتدرون ما الكوثر؟ قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : فإنه نهر وعدنيه ربّي عزوجل ، عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة» الحديث. وأنس أسلم في صدر الهجرة فإذا كان لفظ «آنفا» في كلام النبي صلىاللهعليهوسلم مستعملا في ظاهر معناه وهو الزمن القريب ، فالسورة نزلت منذ وقت قريب من حصول تلك الرؤيا.
ومقتضى ما يروى في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أن تكون السورة مكية ، ومقتضى ظاهر تفسير قوله تعالى : (وَانْحَرْ) من أن النحر في الحج أو يوم