أهل العرف.
ومعنى الأبتر في الآية الذي لا خير فيه وهو رد لقول العاصي بن وائل أو غيره في حق النبي صلىاللهعليهوسلم فبهذا المعنى استقام وصف العاصي أو غيره بالأبتر دون المعنى الذي عناه هو حيث لمز النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه أبتر ، أي لا عقب له لأن العاصي بن وائل له عقب ، فابنه عمرو الصحابي الجليل ، وابن ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل ولعبد الله عقب كثير. قال ابن حزم في «الجمهرة» عقبه بمكة وبالرهط (١).
فقوله تعالى : (هُوَ الْأَبْتَرُ) اقتضت صيغة القصر إثبات صفة الأبتر لشانئ النبيصلىاللهعليهوسلم ونفيها عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو الأبتر بمعنى الذي لا خير فيه.
ولكن لما كان وصف الأبتر في الآية جيء به لمحاكاة قول القائل : «محمد أبتر» إبطالا لقوله ذلك ، وكان عرفهم في وصف الأبتر أنه الذي لا عقب له تعيّن أن يكون هذا الإبطال ضربا من الأسلوب الحكيم وهو تلقي السامع بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أن الأحقّ غير ما عناه من كلامه كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) [البقرة : ١٨٩]. وذلك بصرف مراد القائل عن الأبتر الذي هو عديم الابن الذكر إلى ما هو أجدر بالاعتبار وهو الناقص حظّ الخير ، أي ليس ينقص للمرء أنه لا ولد له لأن ذلك لا يعود على المرء بنقص في صفاته وخلائقه وعقله. وهب أنه لم يولد له البتة ، وإنما اصطلح الناس على اعتباره نقصا لرغبتهم في الولد بناء على ما كانت عليه أحوالهم الاجتماعية من الاعتماد على الجهود البدنية فهم يبتغون الولد الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر وذلك أمر قد يعرض ، وقد لا يعرض أو لمحبة ذكر المرء بعد موته وذلك أمر وهمي ، والنبي صلىاللهعليهوسلم قد أغناه الله بالقناعة ، وأعزّه بالتأييد ، وقد جعل الله له لسان صدق لم يجعل مثله لأحد من خلقه ، فتمحض أن كماله الذاتي بما علمه الله فيه إذ جعل فيه رسالته ، وأن كماله العرضي بأصحابه وأمته إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وفي الآية محسن الاستخدام التقديري لأن سوق الإبطال بطريق القصر في قوله : (هُوَ الْأَبْتَرُ) نفي وصف الأبتر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لكن بمعنى غير المعنى الذي عناه شانئه
__________________
(١) كذا في طبعة «جمهرة ابن حزم». وقال ياقوت : الرهط موضع في شعر هذيل.
وأقول : لعله تحريف راهط وراهط موضع بغولة دمشق.