عليهم.
ونودوا بوصف الكافرين تحقيرا لهم وتأييدا لوجه التبرؤ منهم وإيذانا بأنه لا يخشاهم إذا ناداهم بما يكرهون مما يثير غضبهم لأن الله كفاه إياهم وعصمه من أذاهم. قال القرطبي : قال أبو بكر بن الأنباري : إن المعنى : قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم : يا أيها الكافرون ، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر.
فقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) إخبار عن نفسه بما يحصل منها.
والمعنى : لا تحصل مني عبادتي ما تعبدون في أزمنة في المستقبل تحقيقا لأن المضارع يحتمل الحال والاستقبال فإذا دخل عليه (لا) النافية أفادت انتفاءه في أزمنة المستقبل كما درج عليه في «الكشاف» ، وهو قول جمهور أهل العربية. ومن أجل ذلك كان حرف (لن) مفيدا تأكيد النفي في المستقبل زيادة على مطلق النفي ، ولذلك قال الخليل : أصل (لن) : لا أن ، فلما أفادت (لا) وحدها نفي المستقبل كان تقدير (أن) بعد (لا) مفيدا تأكيد ذلك النفي في المستقبل فمن أجل ذلك قالوا إن (لن) تفيد تأكيد النفي في المستقبل فعلمنا أن (لا) كانت مفيدة نفي الفعل في المستقبل. وخالفهم ابن مالك كما في «مغني اللبيب» ، وأبو حيان كما قال في هذه السورة ، والسهيلي عند كلامه على نزول هذه السورة في «الروض الأنف».
ونفي عبادته آلهتهم في المستقبل يفيد نفي أن يعبدها في الحال بدلالة فحوى الخطاب ، ولأنهم ما عرضوا عليه إلا أن يعبد آلهتهم بعد سنة مستقبلة.
ولذلك جاء في جانب نفي عبادتهم لله بنفي اسم الفاعل الذي هو حقيقة في الحال بقوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) ، أي ما أنتم بمغيّرين إشراككم الآن لأنهم عرضوا عليه أن يبتدءوا هم فيعبدوا الرب الذي يعبده النبي صلىاللهعليهوسلم سنة. وبهذا تعلم وجه المخالفة بين نظم الجملتين في أسلوب الاستعمال البليغ.
وهذا إخباره إياهم بأنه يعلم أنهم غير فاعلين ذلك من الآن بإنباء الله تعالى نبيئهصلىاللهعليهوسلم بذلك فكان قوله هذا من دلائل نبوءته نظير قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] فإن أولئك النفر الأربعة لم يسلم منهم أحد فماتوا على شركهم.
وما صدق (ما أَعْبُدُ) هو الله تعالى وعبر ب (ما) الموصولة لأنها موضوعة للعاقل وغيره من المختار وإنما تختص (من) بالعاقل ، فلا مانع من إطلاق (ما) على العاقل إذا