المصاحبة بمعنى (مع) فهي مثل (مع) في أنها تدخل على المتبوع فكان حمد الله على حصول النصر والفتح ودخول الناس في الإسلام شيئا مفروغا منه لا يحتاج إلى الأمر بإيقاعه لأن شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه قد فعله ، وإنما يحتاج إلى تذكيره بتسبيح خاص لم يحصل من قبل في تسبيحاته وباستغفار خاص لم يحصل من قبل في استغفاره.
ويجوز أن يكون التسبيح المأمور به تسبيح ابتهاج وتعجب من تيسير الله تعالى له ما لا يخطر ببال أحد أن يتم له ذلك ، فإن سبحان الله ونحوه يستعمل في التعجب كقول الأعشى :
قد قلت لما جاءني فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر |
وفي تقديم الأمر بالتسبيح والحمد على الأمر بالاستغفار تمهيد لإجابة استغفاره على عادة العرب في تقديم الثناء قبل سؤال الحاجة كما قال ابن أبي الصلت :
إذا أثنى عليك المرء يوما |
|
كفاه عن تعرضه الثناء |
فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن يخلو عن تسبيح الله فأريد تسبيح يقارن الحمد على ما أعطيه من النصر والفتح ودخول الأمة في الإسلام.
وعطف الأمر باستغفار الله تعالى على الأمر بالتسبيح مع الحمد يقتضي أنه من حيّز جواب (إِذا) ، وأنه استغفار يحصل مع الحمد مثل ما قرر في (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فيدل على أنه استغفار خاص لأن الاستغفار الذي يعم طلب غفران التقصير ونحوه مأمور به من قبل وهو من شأن النبي صلىاللهعليهوسلم فقد قال : «إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة» فكان تعليق الأمر بالتسبيح وبالاستغفار على حصول النصر والفتح إيماء إلى تسبيح واستغفار يحصل بهما تقرب لم ينو من قبل ، وهو التهيّؤ للقاء الله ، وأن حياته الدنيوية أو شكت على الانتهاء ، وانتهاء أعمال الطاعات والقربات التي تزيد النبيصلىاللهعليهوسلم في رفع درجاته عند ربه فلم يبق إلا أن يسأل ربه التجاوز عما يعرض له من اشتغال ببعض الحظوظ الضرورية للحياة أو من اشتغال بمهم من أحوال الأمة يفوته بسببه أمر آخر هو أهم منه ، مثل فداء أسرى بدر مع فوات مصلحة استئصالهم الذي هو أصلح للأمة فعوتب عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) [الأنفال : ٦٧] الآية ، أو من ضرورات الإنسان كالنوم والطعام التي تنقص من حالة شبهه بالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، فكان هذا إيذانا باقتراب وفاة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بانتقاله من حياة تحمل أعباء الرسالة إلى حياة أبدية في العلويات الملكية.