الموت أول منازل الآخرة فهذا من براعة الاستهلال.
وغرقا : اسم مصدر أغرق ، وأصله إغراقا ، جيء به مجردا عن الهمزة فعومل معاملة مصدر الثلاثي المتعدّي مع أنه لا يوجد غرق متعديا ولا أن مصدره مفتوح عين الكلمة لكنه لما جعل عوضا عن مصدر أغرق وحذفت منه الزوائد قدّر فعله بعد حذف الزوائد متعديا.
ولو قلنا : إنه سكنت عينه تخفيفا ورعيا للمزاوجة مع (نَشْطاً) ، و (سَبْحاً) ، و (سَبْقاً) ، و (أَمْراً) لكان أرقب لأن متحرك الوسط يخفف بالسكون ، وهذا مصدر وصف به مصدر محذوف هو مفعول مطلق للنازعات ، أي نزعا غرقا ، أي مغرقا ، أي تنزع الأرواح من أقاصي الأجساد.
ويجوز أن تكون (النَّازِعاتِ) صفة للنجوم ، أي تنزع من أفق إلى أفق ، أي تسير ، يقال : ينزع إلى الأمر الفلاني ، أي يميل ويشتاق.
وغرقا : تشبيه لغروب النجوم بالغرق في الماء وقاله الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش ، وهو على هذا متعين لأن يكون مصدر غرق وأن تسكين عينه تخفيف.
والقسم بالنجوم في هذه الحالة لأنها مظهر من مظاهر القدرة الربانية كقوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم : ١].
ويحتمل أن تكون (النَّازِعاتِ) جماعات الرّماة بالسهام في الغزو يقال : نزع في القوس ، إذا مدّها عند وضع السهم فيها. وروي هذا عن عكرمة وعطاء.
والغرف : الإغراق ، أي استيفاء مدّ القوس بإغراق السهم فيها فيكون قسما بالرماة من المسلمين الغزاة لشرفهم بأن غزوهم لتأييد دين الله ، ولم تكن للمسلمين وهم بمكة يومئذ غزوات ولا كانوا يرجونها ، فالقسم بها إنذار للمشركين بغزوة بدر التي كان فيها خضد شوكتهم ، فيكون من دلائل النبوءة ووعد وعده الله رسوله صلىاللهعليهوسلم.
و (النَّاشِطاتِ) : يجوز أن تكون الموصوفات بالنشاط ، وهو قوة الانطلاق للعمل كالسير السريع ، وينطلق النشاط على سير الثور الوحشي وسير البعير لقوة ذلك ، فيكون الموصوف إما الكواكب السيارة على وجه التشبيه لدوام تنقلها في دوائرها وإما إبل الغزو ، وإما الملائكة التي تسرع إلى تنفيذ ما أمر الله به من أمر التكوين وكلاهما على وجه الحقيقة ، وأيّا ما كان فعطفها على (النَّازِعاتِ) عطف نوع على نوع أو عطف صنف على صنف.