والمساق إليه الكلام كل من يتأتى منه سماعه من المسلمين وغيرهم.
ويجوز أن يكون الكلام مسوقا إلى منكري البعث على طريقة الالتفاف.
وحكي مقالهم بصيغة المضارع لإفادة أنهم مستمرون عليه وأنه متجدد فيهم لا يرعوون عنه.
وللإشعار بما في المضارع من استحضار حالتهم بتكرير هذا القول ليكون ذلك كناية عن التعجيب من قولهم هذا كقوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤].
وقد علم السامع أنهم ما كرروا هذا القول إلا وقد قالوه فيما مضى.
وهذه المقالة صادرة منهم وهم في الدنيا فليس ضمير (يَقُولُونَ) بعائد إلى (قُلُوبٌ) من قوله تعالى : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) [النازعات : ٨].
وكانت عادتهم أن يلقوا الكلام الذي ينكرون فيه البعث بأسلوب الاستفهام إظهارا لأنفسهم في مظهر المتردد السائل لقصد التهكم والتعجب من الأمر المستفهم عنه. والمقصود : التكذيب لزعمهم أن حجة استحالة البعث ناهضة.
وجعل الاستفهام التعجيبي داخلا على جملة اسمية مؤكدة ب (إنّ) وبلام الابتداء وتلك ثلاثة مؤكدات مقوية للخبر لإفادة أنهم أتوا بما يفيد التعجب من الخبر ومن شدة يقين المسلمين به ، فهم يتعجبون من تصديق هذا الخبر فضلا عن تحقيقه والإيقان به.
والمردود : الشيء المرجّع إلى صاحبه بعد الانتفاع به مثل العارية وردّ ثمن المبيع عند التفاسخ أو التقابل ، أي لمرجعون إلى الحياة ، أي إنا لمبعوثون من قبورنا.
والمراد ب (الْحافِرَةِ) : الحالة القديمة ، يعني الحياة.
وإطلاقات (الْحافِرَةِ) كثيرة في كلام العرب لا تتميز الحقيقة منها عن المجاز ، والأظهر ما في «الكشاف» : يقال رجع فلان إلى حافرته ، أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها ، أي أثّر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفرا أي لأن قدميه جعلتا فيها أثرا مثل الحفر ، وأشار إلى أن وصف الطريق بأنها حافرة على معنى ذات حفر ، وجوز أن يكون على المجاز العقلي كقولهم : عيشة راضية ، أي راض عائشها ، ويقولون : رجع إلى الحافرة ، تمثيلا لمن كان في حالة ففارقها ، ثم رجع إليها فصار : رجع في الحافرة ، وردّ