الجهة التي هي خلف الماشي بأن يكون متوجها إلى جهة ثم يتوجه إلى جهة تعاكسها. وهو هنا مستعار للإعراض عن دعوة الداعي مثل قول النبي صلىاللهعليهوسلم لمسيلمة لما أبى الإيمان : «ولئن أدبرت ليعقرنك الله».
وأما السعي فحقيقته : شدة المشي ، وهو هنا مستعار للحرص والاجتهاد في أمره الناس بعدم الإصغاء لكلام موسى ، وجمع السحرة لمعارضة معجزته إذ حسبها سحرا كما قال تعالى : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) [طه : ٦٠].
والعمل الذي يسعى إليه يبينه قوله تعالى : (فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) فثلاثتها مرتبة على (يَسْعى)
فجملة (فَحَشَرَ) عطف على جملة (يَسْعى) لأن فرعون بذل حرصه ليقنع رعيته بأنه الربّ الأعلى خشية شيوع دعوة موسى لعبادة الرب الحق.
ويجوز أن يكون (أَدْبَرَ) على حقيقته ، أي ترك ذلك المجمع بأن قام معرضا إعلانا بغضبه على موسى ويكون (يَسْعى) مستعملا في حقيقته أيضا ، أي قام يشتدّ في مشيه وهي مشية الغاضب المعرض.
والحشر : جمع الناس ، وهذا الحشر هو المبيّن في قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) [الشعراء : ٣٦ ، ٣٧].
وحذف مفعول (حشر) لظهوره لأن الذين يحشرون هم أهل مدينته من كل صنف.
وعطف (فَنادى) بالفاء لإفادة أنه أعلن هذا القول لهم بفور حضورهم لفرط حرصه على إبلاغ ذلك إليهم.
والنداء : حقيقته جهر الصوت بدعوة أحد ليحضر ولذلك كانت حروف النداء نائبة مناب (أدعو) فنصبت الاسم الواقع بعدها. ويطلق النداء على رفع الصوت دون طلب حضور مجازا مرسلا بعلاقة اللزوم كقول الحريري في «المقامة الثلاثين» «فحين جلس كأنه ابن ماء السماء ، نادى مناد من قبل الأحماء» إلخ.
وحذف مفعول (نادى) كما حذف مفعول (حشر).
وإسناد الحشر والنداء إلى فرعون مجاز عقلي لأنه لا يباشر بنفسه حشر الناس ولا نداءهم ولكن يأمر أتباعه وجنده ، وإنما أسند إليه لأنه الذي أمر به كقولهم : بنى المنصور بغداد.