وإضافة (نَكالَ) إلى (الْآخِرَةِ وَالْأُولى) على معنى (في).
فالنكال في الأولى هو الغرق ، والنكال في الآخرة هو عذاب جهنم.
وقد استعمل النكال في حقيقته ومجازه لأن ما حصل لفرعون في الدنيا هو نكال حقيقي وما يصيبه في الآخرة أطلق عليه النكال لأنه يشبه النكال في شدة التعذيب ولا يحصل به نكال يوم القيامة.
وورود فعل «أخذه» بصيغة المضي مع أن عذاب الآخرة مستقبل ليوم الجزاء مراعى فيه أنه لما مات ابتدأ يذوق العذاب حين يرى منزلته التي سيئول إليها يوم الجزاء كما ورد في الحديث.
وتقديم (الْآخِرَةِ) على (الْأُولى) في الذكر لأنّ أمر الآخرة أعظم.
وجاء في آخر القصة بحوصلة وفذلكة لما تقدم فقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) فهو في معنى البيان لمضمون جملة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) [النازعات : ١٥]. الآيات.
والإشارة بقوله : (فِي ذلِكَ) إلى (حَدِيثُ مُوسى) [النازعات : ١٥].
والعبرة : الحالة التي ينتقل الذهن من معرفتها إلى معرفة عاقبتها وعاقبة أمثالها ، وهي مشتقة من العبر ، وهو الانتقال من ضفة واد أو نهر إلى ضفته الأخرى.
والمراد بالعبرة هنا الموعظة.
وتنوين (عبرة) للتعظيم لأن في هذه القصة مواعظ كثيرة من جهات هي مثلات للأعمال وعواقبها ، ومراقبة الله وخشيته ، وما يترتب على ذلك وعلى ضده من خير وشر في الدنيا والآخرة.
وجعل ذلك عبرة لمن يخشى ، أي من تخالط نفسه خشية الله لأن الذين يخشون الله هم أهل المعرفة الذين يفهمون دلالة الأشياء على لوازمها وخفاياها ، قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] وقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣]. والخشية تقدمت قريبا في قوله : (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٩].
وفي هذا تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا بأهل للانتفاع بمثل هذا كما لم ينتفع بمثله فرعون وقومه.