لاختلاف معنى الفعلين.
والمرعى : مفعل من رعى يرعى ، وهو هنا مصدر ميمي أطلق على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، أي أخرج منها ما يرعى.
والرعي : حقيقته تناول الماشية الكلأ والحشيش والقصيل.
فالاقتصار على المرعى اكتفاء عن ذكر ما تخرجه الأرض من الثمار والحبوب لأن ذكر المرعى يدل على لطف الله بالعجماوات فيعرف منه أن اللطف بالإنسان أحرى بدلالة فحوى الخطاب ، والقرينة على الاكتفاء قوله بعده (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [النازعات : ٣٣].
وقد دل بذكر الماء والمرعى على جميع ما تخرجه الأرض قوتا للناس وللحيوان حتى ما تعالج به الأطعمة من حطب للطبخ فإنه مما تنبت الأرض ، وحتى الملح فإنه من الماء الذي على الأرض.
ونصب (وَالْجِبالَ) يجوز أن يكون على طريقة نصب (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ويجوز أن يكون عطفا على (ماءَها وَمَرْعاها) ويكون المعنى : وأخرج منها جبالها ، فتكون (ال) عوضا عن المضاف إليه مثل (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤١] أي مأوى من خاف مقام ربه فإن الجبال قطع من الأرض ناتئة على وجه الأرض.
وإرساء الجبال : إثباتها في الأرض ، ويقال : رست السفينة ، إذا شدّت إلى الشاطئ فوقفت على الأنجر ، ويوصف الجبل بالرّسو حقيقة كما في «الأساس» ، قال السموأل أو عبد الملك بن عبد الرحيم يذكر جبلهم :
رسا أصله فوق الثرى وسما به |
|
إلى النجم فرع لا ينال طويل |
وإثبات الجبال : هو رسوخها بتغلغل صخورها وعروق أشجارها لأنها خلقت ذات صخور سائخة إلى باطن الأرض ولو لا ذلك لزعزعتها الرياح ، وخلقت تتخلّلها الصخور والأشجار ولو لا ذلك لتهيلت أتربتها وزادها في ذلك أنها جعلت أحجامها متناسبة بأن خلقت متسعة القواعد ثم تتصاعد متضائقة.
ومن معنى إرسائها : أنها جعلت منحدرة ليتمكن الناس من الصعود فيها بسهولة كما يتمكن الراكب من ركوب السفينة الراسية ولو كانت في داخل البحر ما تمكن الراكب من ركوبها إلا بمشقة.