وتقديم (فِيمَ) على المبتدأ للاهتمام به ليفيد أن مضمون الخبر هو مناط الإنكار بخلاف ما لو قيل : أأنت في شيء من ذكراها؟
والذكرى : اسم مصدر الذّكر ، والمراد به هنا الذكر اللساني.
وجملة (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) في موقع العلة للإنكار الذي اقتضاه قوله : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) ولذلك فصلت ، وفي الكلام تقدير مضاف ، والمعنى : إلى ربك علم منتهاها.
وتقديم المجرور على المبتدأ في قوله : (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) لإفادة القصر ، أي لا إليك ، وهذا قصر صفة على موصوف.
والمنتهى : أصله مكان انتهاء السير ، ثم أطلق على المصير لأن المصير لازم للانتهاء قال تعالى : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم : ٤٢] ثم توسّع فيه فأطلق على العلم ، أي لا يعلمها إلا الله ، فقوله : (مُنْتَهاها) هو في المعنى على حذف مضاف ، أي علم وقت حصولها كما دل عليه قوله : (أَيَّانَ مُرْساها).
ويجوز أن يكون (مُنْتَهاها) بمعنى بلوغ خبرها كما يقال : أنهيت إلى فلان حادثة كذا ، وانتهى إليّ نبأ كذا.
وقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) استئناف بياني ناشئ عن جملة (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) وهو أن يسأل السامع عن وجه إكثار النبي صلىاللهعليهوسلم ذكرها وأنها قريبة ، فأجيب بأن النبي صلىاللهعليهوسلم حظه التحذير من بغتتها ، وليس حظه الإعلام بتعيين وقتها ، على أن المشركين قد اتخذوا إعراض القرآن عن تعيين وقتها حجة لهم على إحالتها لأنهم لجهلهم بالحقائق يحسبون أن من شأن النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعلم الغيب ولذلك تكرر في القرآن تبرئة النبي صلىاللهعليهوسلم من ذلك كما في قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) [الأنعام : ٥٠].
وأفادت (إِنَّما) قصر المخاطب على صفة الإنذار ، أي تخصيصه بحال الإنذار وهو قصر موصوف على صفة فهو قصر إضافي ، أي بالنسبة إلى ما اعتقدوه فيه بما دل عليه إلحافهم في السؤال من كونه مطلعا على الغيب.
وقوله : (مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) قرأه الجمهور بإضافة (مُنْذِرُ) إلى (مَنْ يَخْشاها) وقرأه أبو جعفر بتنوين منذر على أن (مَنْ يَخْشاها) مفعوله.