والاستفهام مستعمل في الاستبعاد كناية وهو أيضا كناية عن الاستحالة و (مُرْساها مصدر ميمي لفعل أرسى ، والإرساء : جعل السفينة عند الشاطئ لقصد النزول منها. واستعير الإرساء للوقوع والحصول تشبيها للأمر المغيّب حصوله بسفينة ماخرة البحر لا يعرف وصولها إلا إذا رست ، وعليه ف (أَيَّانَ) ترشيح للاستعارة ، وتقدم نظير هذه في سورة الأعراف.
وقوله : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) واقع موقع الجواب عن سؤالهم عن الساعة باعتبار ما يظهر من حال سؤالهم عن الساعة من إرادة تعيين وقتها وصرف النظر عن إرادتهم به الاستهزاء ، فهذا الجواب من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، وهو من تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيها له على أن الأولى به أن يهتم بغير ذلك ، وهو مضمون قوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) وهذا ما يسمى بالأسلوب الحكيم ، ونظيره ما روي في الصحيح أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الساعة فقال له : «ما ذا أعددت لها؟» ، أي كان الأولى لك أن تصرف عنايتك إلى الاستكثار من الحسنات إعدادا ليوم الساعة.
والخطاب وإن كان موجها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فالمقصود بلوغه إلى مسامع المشركين فلذلك اعتبر اعتبار جواب عن كلامهم وذلك مقتضى فصل الجملة عن التي قبلها شأن الجواب والسؤال.
و (ما) في قوله : (فِيمَ) اسم استفهام بمعنى : أي شيء؟ مستعملة في التعجيب من سؤال السائلين عنها ثم توبيخهم. و (في) للظرفية المجازية بجعل المشركين في إحفائهم بالسؤال عن وقت الساعة كأنهم جعلوا النبي صلىاللهعليهوسلم محوطا بذكر وقت الساعة ، أي متلبسا به تلبس العالم بالمعلوم فدل على ذلك بحرف الظرفية على طريقة الاستعارة في الحرف.
وحذف ألف (ما) لوقوعها بعد حرف الجر مثل (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١]. و (فِيمَ) خبر مقدم و (أَنْتَ) مبتدأ ، و (مِنْ ذِكْراها) إما متعلق بالاستقرار الذي في الخبر أو هو حال من المبتدأ.
و (مِنْ) : إما مبينة للإبهام الذي في (ما) الاستفهامية ، أي في شيء هو ذكراها ، أي في شيء هو أن تذكرها ، أي لست متصديا لشيء هو ذكرى الساعة ، وإما صفة للمبتدإ فهي اتصالية وهي ضرب من الابتدائية ابتداؤها مجازي ، أي لست في شيء يتصل بذكرى الساعة ويحوم حوله ، أي ما أنت في شيء هو ذكر وقت الساعة ، وعلى الثاني : ما أنت في صلة مع ذكر الساعة ، أي لا ملابسة بينك وبين تعيين وقتها.