إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (أي سحر (١) بيّن) يعني إذا رأوا آية ومعجزة سخروا منها لاعتقادهم أنها من باب السحر.
فصل
قال ابن الخطيب : والذي عندي في هذا الباب أن يقال : القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه؟ وبقوا (٢) في هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يسخرون ممن يذهب إلى هذا المذهب وإذا كان كذلك ولا طريق إلى إزالة هذا الاستبعاد إلّا من وجهين :
أحدهما : أن يذكر لهم (٣) الدليل على صحة الحشر والنشر مثل أن يقال لهم : هل تعلمون أن القادر على الأصعب الأشق يجب أن يكون قادرا على الأسهل. فهذا الدليل وإن كان جليّا قويّا إلا أن (ذكر) (٤) أولئك المنكرين إذا عرض على قلوبهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها وإذا ذكروا لم يتذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم فلا جرم لم ينتفعوا بهذا الدليل.
والطريق الثاني : أن يثبت الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رسالته بالمعجزات ثم يقول : لما ثبت بالمعجزة كوني رسولا صادقا من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حقّ ثم إنّ أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضا لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة (٥) وآية باهرة حملوها على أنها سحر وسخروا منها واستهزأوا بها. وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
قوله : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)(٦) وهذا بيان للسّبب الذي حملهم على الاستهزاء بجميع المعجزات وهو اعتقادهم أن من مات وتفرقت أجزاؤه في العالم فما فيه من الأرض اختلط (بتراب) (٧) الأرض وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم. فهذا الإنسان كيف يعقل عوده بعينه حيّا ثانيا؟!. ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال : قل (لهم) (٨) يا محمد (نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي نعم تبعثون وأنتم صاغرون ، والدخور أشد الصغار وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب لأنه ذكر في الآية المتقدمة البرهان القطعي (٩) على أنه (أمر) (١٠) ممكن وإذا ثبت الجواب القطعي فلا سبيل
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) في تفسيره وبلغوا.
(٣) كذا في (أ) والرازي. وفي ب : لهما. تحريف.
(٤) زيادة على تفسيره.
(٥) كذا في الرازي. وفي ب : ظاهرة.
(٦) وانظر تفسيره ٢٦ / ١٢٧ و ١٢٨.
(٧) سقط من ب.
(٨) زيادة من ب.
(٩) في «أ» القطع والرازي هنا موافق ل «ب».
(١٠) سقط من ب.