وعند ما يؤكد هذا النبي الكريم على أنه عبد الله فمن أجل أن النصارى لا يتخذونه بعد ذلك ابناً لله تعالى ، وعند ما يقول «جعلني» ولم يقل «يجعلني» فإنّما ذلك لأنه نال هذه المرتبة السامية ، أي مرتبة النبوّة في مرحلة الطفولة.
وقد ورد عن بعض الأنبياء أنهم نالوا هذا المقام أيضاً في مرتبة الطفولة (١).
والخلاصة أنه عند ما لا يشترط في النبوّة سنّ خاصّ وهي ذلك المقام الرفيع فبطريق أولى لا يشترط في الإيمان وقبول الإسلام سنٌّ خاصّ كالبلوغ.
الثالثة : إنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كان مأموراً في أوّل البعثة ولمدّة ثلاث سنوات أن يدعو عشيرته الأقربين ويعرض الإسلام عليهم ، أي بعد أن دعاهم إلى الإسلام في هذه السنوات الثلاث بصورة خفية وسريّة (٢) وآمن أفراد قلائل به ، امر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بتبليغ الرسالة بصورة علنية ، ولذلك أمر النبي عليّاً عليهالسلام أن يهيّئ مقدمات الضيافة لقومه وأمره أن يهيّئ طعاماً مناسباً بمعونة غيره من المسلمين ودعا رؤساء قومه وعشيرته إلى ذلك المجلس ، فحضر الضيوف وتناولوا الطعام وبعد الانتهاء من تناول الطعام قام النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وعرض دينه الجديد عليهم وأخبرهم بأنه رسول من الله تعالى إليهم ثمّ قال : «أيّكم يؤازرني على هذا الأمر ويكون أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» فأحجموا كلّهم ولم يستجب أحد لطلبه غير علي عليهالسلام وكرر النبي دعوته لهم ثلاثاً وفي كلّ مرّة لم يستجب له غير علي عليهالسلام فقال النبي صلىاللهعليهوآله لهم :
«انَّ هذَا اخِي وَوَصِيّي وَخَليفَتي عَلَيْكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَاطيعُوهُ». (٣)
__________________
(١) يقول العلّامة المجلسي نقلاً عن أهل السنّة : إن النبي سليمان ودانيال بعثا للنبوة في مرحلة الطفولة. (بحار الأنوار : ج ٣٨ ، ص ٢٣٦).
(٢) الأشخاص الذين يعترضون على الشيعة في مسألة التقيّة ما هو تفسيرهم للدعوة السرية للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ولمدّة ثلاث سنوات؟ ألا يعد سلوك النبي في تلك المدّة من التقية ليزداد قوّة وأنصاراً؟ وعلى هذا الأساس فالتقية تعني تغيير في الاسلوب لحفظ وتقوية رجال الدعوة ريثما تحين الفرصة المناسبة ، وهذا هو الذي تقوله الشيعة وقد ورد هذا المعنى في النصوص الدينية وسيرة النبي صلىاللهعليهوآله.
(٣) تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٦٢ ؛ تاريخ الكامل : ج ٢ ، ص ٤٠ ؛ مسند أحمد : ج ١ ، ص ١١١ نقلاً عن فروغ أبدية : ج ١ ، ص ٢٥٩.