عن قدرة الإنسان الحركية. وبعبارة موجزة ، إن السنّة التاريخية لا تخضع دائما للعناصر الخارجة عن قدرة الإنسان ، بل إنها قد تخضع للإرادة الإنسانية في حركة الفكر والعمل ، فالاختيار الإنساني جزء من السنة وليس نتيجة لها ، فإذا أحسن الاختيار كان للأمة شبابها وحيويتها وامتدادها في العمر الحضاري ، وإذا أساء ذلك ، كان سببا للمرض الروحي والمعنوي والمادي الذي يعجل في الموت ويبلغ بها نهاية الأجل.
إن نهاية الأجل للأمة كنهاية الأجل للفرد ، خاضعة للعوامل الداخلية والخارجية المتحركة في عناصر الضعف والقوّة في الذات ، إنها حركة منفتحة على المستقبل متصلة بالماضي والحاضر في عملية مراوحة بين الظروف التي يصنعها الإنسان والظروف المحيطة به من الخارج.
وليس من الضروري أن يكون الموت الذي يمثل عملية سقوط حضاري للأمة حتميا ، بل هو إراديّ في خط الوعي السلبي والإيجابي للفكر وللحركة والامتداد ، وهذا هو الذي يلتقي بقوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠]. فإنها تعني التجدد والحركة من خلال الأسباب الطبيعية الإنسانية وليست شيئا لا مفر منه من خلال نظرية حتمية السقوط. وهذا هو الذي تلتقي فيه الآية (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) بالآية الأخرى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) فإن عملية التداول لا تبتعد عن مواقع الاختيار ، بل تتحرك معها ومع العناصر الأخرى المتصلة بالنظام الكوني ، والله العالم.
* * *