الروحي ، فلا خوف من المستقبل ولا حزن على ما مضى.
ونلاحظ على هذا الرأي ، أن تأثير الإيمان بالله والثقة به في ابتعاد المؤمن عن أجواء الخوف والحزن في الدنيا يمثل الحقيقة الإيمانية ، وذلك من خلال الإحساس بالحضور الإلهي في حياته بالدرجة التي يتحسس فيها رعايته وحمايته وإشرافه عليه ، كما جاء في قول الله تعالى ، ممّا قصه من حكاية النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الهجرة : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) [التوبة : ٤٠] فقد كان النبي يعيش السكينة الروحية في قلبه ، وأراد لصاحبه أن لا يشعر بالحزن في الموقف الصعب ، وممّا قصّه الله على المؤمنين : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٧٣ ـ ١٧٥] ، فقد أراد الله للمؤمنين أن لا يخافوا من الشيطان في الدنيا ، لأنه ـ تعالى ـ هو الذي يمنحهم الأمن الروحي الذي يشعرون معه بالسكينة النفسية.
إننا لا نمانع من هذا التأثير الروحي للإيمان على النفس المؤمنة بما يفيضه الله عليها من ذلك ، ولكن سياق الآية وأمثالها وارد في الحديث عن موقف المؤمن في الآخرة ، بقرينة مقابلتها بالآية الأخرى المتحدثة عن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عنها بأن جزاءهم النار ، كما هو الحال في آية البقرة المتقدمة ، مما يوحي بأن الآيتين معا واردتان في سياق الحديث عن جزاء الإيمان والكفر في يوم القيامة ؛ والله العالم.
* * *