العددية ، أو غير ذلك من القوى التي تمثل دوافع تشد الناس إلى تقبل هذا التيّار أو ذاك ، بغض النظر عن فساده أو صلاحه ، فتلك أمور لا يبحث الناس فيها عادة إلا بعد تحصيل القناعة ، لتبرير ما اتّخذوه من موقف وما مارسوه من عمل ، للإيحاء إلى الذات بصوابية ما قاموا به.
ولعلّنا نشعر بقيمة هذا التحليل ، عند ما نتعرّف إلى الواقع الذي يفرض نفسه على المواقف الفكرية والعملية ، من خلال الدوافع والمؤثرات البعيدة عن التأمل والتفكير والحق والباطل ... فنبدأ بعد ذلك في رسم الخطة العملية التي تسعى لوضع الناس وجها لوجه أمام دوافعهم اللاواعية ـ كما يعبّر علماء النفس ـ ثم يربط الموقف بقضية الحرية والكرامة والاستقلالية في الرأي ، أو برواسب الإيمان العميقة ، لاستثارة تلك المشاعر فيهم في حركة التفاف بارعة على فكر الإنسان. ثم الاتجاه إلى استباق المراحل ، بقطع الطريق على تلك التيارات ، وعدم إفساح المجال أمام ما يمكن أن تستفيد منه عمليات الإضلال من أوضاع شاذة ، وذلك بخلق مناعة ذاتية لدى المجتمع ضدها.
وقد يفيدنا في هذا المجال أن نثير ، أمام الناس ، الواقع الذي يعيشونه في ظل الازدواجيّة الفكرية والأخلاقية ، بين ما يعتقدون وما يقلدون ، والتأكيد على الآثار السيّئة المترتبة على ذلك ؛ مما يجعل الإنسان في قلق أو حيرة إزاء انقسام الشخصية وتوزّعها بين دافعين ، يشدها أحدهما إلى الأمام ، ويجرّها الثاني إلى الوراء. وقد نجد في هذه الآيات الكريمة بعض الدروس الرائعة التي تجعل من الموقف موضوعا يرتبط بقضية المصير في الدنيا والآخرة ، لتوحي للإنسان بالابتعاد عن المواقف السريعة وعن السطحية والارتجاليّة والانفعال الذاتي ، لأن مثل هذه المؤثرات قد تكون مقبولة في الحالات الطارئة المحدودة ، ولكنها لن تكون مقبولة في قضايا المصير الذي يهدّد وجود الإنسان في الدنيا والآخرة.
* * *