ما يجعل المسألة لا تحتاج إلى بحث أو مناقشة أو تعديل ... فإذا كنت مصرّا على دعوتك الهدامة (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فلن نتبعك في شيء مما تقوله أو تدعو إليه ، فليس بيننا وبينك إلا المواجهة في ساحة الصراع. (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) الرجس هو الخبث والقذر ؛ وربما كان هذا كناية عمّا يوقعه الله عليهم من العذاب المتمثل بما يلقيه عليهم من مظاهر العقاب الدنيويّ ، الذي يؤثّر سلبيا على نفس الإنسان ، تماما كما هو القذر الذي يصيب الجسد. أمّا الغضب ، فهو سخط الله المستتبع لعذاب النار ، فقد حقّ عليكم القول بعد أن أقام الله عليكم الحجة ، وتمردتم عليها. (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ)؟ ماذا تمثل هذه الأصنام غير ما تمثله الأشياء التي صنعتموها منها ، من الحجر والخشب والنحاس؟ ماذا لديها من معاني الحياة والعلم والقدرة والخلق التي لا بد من توفرها في ذات الإله؟ ليس لها أية ميزة إلهية أو غير إلهية ، سوى أنكم أطلقتم عليها أو أطلق عليها آباؤكم أسماء ، وتحوّلت الأسماء إلى حقائق نفسية وعبادية واجتماعية ، يجادل فيها المجادلون ويتخاصم فيها المتخاصمون ، فإذا أردتم الجدال المنتج ، فجادلوا بالأشياء التي تحمل معنى حقيقيا في ذاتها وتأثيرها في الواقع ، لا في هذه الأشياء التي صنعتموها بأيديكم ومنحتموها صفة الألوهية التي (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) من عقل أو شرع ، فهي لا تمثل أيّة حقيقة مقبولة في أي مجال.
* * *