على الله ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) فيعتبرونه مصدر الشؤم ، في ما يتشاءم به الناس من الأشخاص والأوضاع ، ولكنّ الله يردّ عليهم هذا المنطق (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) فهو الذي أنزل عليهم ذلك كله ، وهو الذي ترجع إليه أمور العافية والبلاء (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم في غفلة عن آفاق العقيدة الإلهية ، في أفكارها وإيحاءاتها وامتداداتها في قضايا الإنسان والحياة ، فلا يعرفون كيف يخضع الكون كله لإرادة الله في كل شيء ، فلا مغلق لما فتح ولا فاتح لما أغلق ، ولا رادّ لما أعطى ... ووقفوا أمامه وقفة المتحدّي الذي يرفض كل آية للإيمان ، مهما بلغت من القوة في الحجة والبرهان ، (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ). وهكذا أعطوا الآيات التي قدّمها إليهم صفة السحر ، لأنهم كانوا يبحثون عن مبرر للكفر وللتمرّد ، تماما كما هو شأن القوى المستكبرة في كل زمان ومكان ، عند ما تحاول ضرب كل داعية للحق وللعدل ، أو تشوية صورته أمام الناس ؛ فتلصق به أو بدعوته بعض الصفات السلبية التي توحي بالمعاني المتخلفة البعيدة عن كل خير وصلاح ، ليكون ذلك مبرّرا لهم للوقوف ضده بكل ما يملكون من قوة البغي والعدوان.
* * *
الطوفان أول العقاب
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) فأغرق كل شيء من الزرع والماشية وغيرهما (وَالْجَرادَ) الذي أكل كل ثمراتهم (وَالْقُمَّلَ) ـ بضم القاف وتشديد الميم ، وهي دوابّ صغار كالقردان تركب البعير الهزيل ، وبفتح القاف وتخفيف الميم وهي الحشرة المعروفة ـ وكلاهما ينزل البلاء والوباء ... (وَالضَّفادِعَ) التي يقال إنها كانت تظهر في طعامهم وشرابهم فتنغص عليهم حياتهم ، (وَالدَّمَ)