وجاء في مجمع البيان حديث مروي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام قال : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم. وإنما دخلت (من) في القدّام والخلف ، و(عن) في اليمين والشمال ، لأن في القدّام والخلف معنى طلب النهاية ، وفي اليمين والشمال الانحراف عن الجهة (١).
ونلاحظ على ذلك ، أن الظاهر من الآية أنها واردة في مقام ضرب المثل بحال العدو الذي يحاصر عدوه من جميع الجهات ، فلا يملك الهروب منه لإحاطته به من جميع جوانبه ، وليست في مقام بيان تفاصيل الخطط الشيطانية وتحديد عمل الشيطان في كل جهة.
ولكن لا مانع من أن تكون هذه التفاصيل بمثابة المصاديق المتصورة في هذا الجانب أو ذاك ، أو بمثابة الاستيحاء من الآية ، لأن اعتبارها من المعنى لا يخلو من خفاء ، فإنّ بعض الأمور المذكورة تمثّل نتائج العمل ، لا العمل نفسه الذي يتدخل فيه إبليس ، والله العالم.
وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري : «فإن قلت : كيف قيل : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بحرف الابتداء و (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بحرف المجاورة؟ قلت : المفعول فيه عدّي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به ، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط.
فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦٢٣.