والعار ، لتوجه بنيه إلى النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، في ما خلق لهم من اللبّاس الذي يصنعونه من أصواف الأنعام وأوبارها وشعورها ، وفي ما رزقهم من الريش الذي يمثّل ما كان فاخرا من اللباس والأثاث ليتزينوا به أو يلبسوا منه ، ليشكروا الله على ذلك ، (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً). ولكن الله يريد أن يوجههم إلى أن القضية التي ينبغي أن تلحّ عليهم ليست اللباس الذي يستر عوراتهم ، لأن ذلك لا يمثل إلا جانبا محدودا من جوانب حياتهم التي تتعلق بحماية ما يريد الإنسان أن يحمي منه جسده ، بحيث لا يريد للناس أن ينظروا إليه ، بل ينبغي لهم أن يوجّهوا اهتمامهم إلى اللباس المعنوي الذي يستر عيوبهم وأخطاءهم ، وهو لباس التقوى الذي يمثل الحالة الروحية والفكرية التي يشعر الإنسان معها بالحاجة إلى أن يضبط حركة غرائزه وشهواته ، ومطامحه ومطامعه ، في الاتجاه السليم الذي ينسجم مع إرادة الله في أوامره ونواهيه ... على أساس محبة الله وخوفه ، اللذين تخضع لهما هذه الحالة الداخلية. وهذا ما أشار إليه بقوله : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) لأن قيمة هذا اللباس ، أنه يرتبط بمسألة المصير في الدنيا والآخرة في ما يواجهه الإنسان من نتائج إيجابية في حركة حياته ، في التزاماته الشخصية أو العائلية أو الاجتماعية أو السياسية ، أو في الخط الفكري الذي يحكم مسيرة حياته ... وبذلك يكون فقدانه فقدانا لذلك كله ، كما يكون سببا للشعور العميق الساحق بالخزي والعار أمام الله ، عند ما يقف الإنسان بين يديه ، عاريا لا تستره أيّة فضيلة ، ولا يحميه من عقابه أيّ شيء ... (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) التي ينبغي للناس أن يتأملوا فيها ويدرسوها ، ليعرفوا من خلالها عظمة الخلق وقيمة النعمة (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، فتقودهم الذكرى إلى الوقوف الواعي أمام أوامر الله ونواهيه بكل قوة وإيمان ، كما تقودهم إلى الابتعاد عن حبائل الشيطان وخداعه وغروره ...
* * *