الخلقة. فله صفات دلت أفعاله عليها لا يمكن جحدها. وكما دلت الأفعال على كونه عالما ، مريدا ، دلت على العلم والقدرة والإرادة ، لأن وجه الدلالة لا يختلف شاهدا وغائبا. وأيضا لا معنى للعالم حقيقة إلا أنه ذو علم ، ولا للقادر إلا أنه ذو قدرة ، ولا للمريد إلا أنه ذو إرادة ، فيحصل بالعلم الإحكام والاتقان. ويحصل بالقدرة الوقوع والحدوث. ويحصل بالإرادة التخصيص بوقت دون وقت ، وقدر دون قدر ، وشكل دون شكل. وهذه الصفات لن يتصور أن يوصف بها الذات إلا وأن يكون الذات حيا بحياة للدليل الذي ذكرناه.
وألزم منكري الصفات إلزاما لا محيص لهم عنه ، وهو أنكم وافقتمونا بقيام الدليل على كونه عالما قادرا فلا يخلو إما أن يكون المفهومان من الصفتين واحدا أو زائدا ، فإن كان واحدا فيجب أن يعلم بقادريته ، ويقدر بعالميته. ويكون من علم الذات مطلقا علم كونه عالما قادرا ، وليس الأمر كذلك ، فعلم أن الاعتبارين مختلفان. فلا يخلو إما أن يرجع الاختلاف إلى مجرد اللفظ أو إلى الحال ، أو إلى الصفة. وبطل رجوعه إلى اللفظ المجرد ، فإن العقل يقضي باختلاف مفهومين معقولين. ولو قدر عدم الألفاظ رأسا ما ارتاب العقل فيما تصوره وبطل رجوعه إلى الحال ، فإن إثبات صفة لا توصف بالوجود ولا بالعدم إثبات واسطة بين الوجود والعدم ، والإثبات والنفي ، وذلك محال. فتعين الرجوع إلى صفة قائمة بالذات وذلك مذهبه.
* * *
على أن القاضي الباقلاني (١) من أصحاب الأشعري قد ردد قوله في إثبات الحال ونفيها وتقرر رأيه على الإثبات ، ومع ذلك أثبت الصفات معاني قائمة به
__________________
(١) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب ، المعروف بالباقلاني المتكلم المشهور ، كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته وقد صنّف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره وكان في علمه أوحد زمانه. توفي سنة ٤٠٣ ه. (راجع ابن خلكان أول ص ٦٠٩).