وصاحب الكبيرة إذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى ، إما أن يغفر له برحمته ، وإما أن يشفع فيه النبي صلىاللهعليهوسلم إذ قال : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» وإما أن يعذبه بمقدار جرمه ، ثم يدخله الجنة برحمته. ولا يجوز أن يخلد في النار مع الكفار ، لما ورد به السمع بالإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان. قال : ولو تاب فلا أقول بأنه يجب على الله تعالى قبول توبته بحكم العقل ، إذ هو الموجب ، فلا يجب عليه شيء ، بلى ورد السمع بقبول توبة التائبين ، وإجابة دعوة المضطرين ، وهو المالك في خلقه يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، فلو أدخل الخلائق بأجمعهم الجنة لم يكن حيفا. ولو أدخلهم لم يكن جورا ، إذ الظلم هو التصرف فيما لا يملكه المتصرف. أو وضع الشيء في غير موضعه ، وهو المالك المطلق فلا يتصور منه ظلم ، ولا ينسب إليه جور.
قال : والواجبات كلها سمعية ، والعقل لا يوجب شيئا ، ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا ، فمعرفة الله بالعقل تحصل ، وبالسمع تجب ، قال الله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) وكذلك شكر المنعم ، وإثابة المطيع ، وعقاب العاصي يجب بالسمع دون العقل ، ولا يجب على الله تعالى شيء ما بالعقل ، لا الصلاح ، ولا الأصلح ، ولا اللطف ، وكل ما يقتضيه العقل من جهة الحكمة الموجبة ، فيقتضي نقيضه من وجه آخر.
وأصل التكليف لم يكن واجبا على الله إذ لم يرجع إليه نفع ، ولا اندفع به عنه ضر ، وهو قادر على مجازاة العبيد ثوابا وعقابا ، وقادر على الإفضال عليهم ابتداء تكرما وتفضلا. والثواب ، والنعيم ، واللطف كله منه فضل ، والعقاب والعذاب كله عدل (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢).
وانبعاث الرسل من القضايا الجائزة لا الواجبة ولا المستحيلة ، ولكن بعد
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ١٥.
(٢) سورة الأنبياء : الآية ٢٣.