نساءهم وقوّموها على أنفسهم وقالوا : إن صارت قيمتهن في حصصنا فذاك ، وإلّا رددنا الفضل ، ونكحوهن قبل القسمة. وأكلوا من الغنيمة قبل القسمة ، فلما رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك قال : لم يسعكم ما فعلتم؟ قالوا : لم نعلم أن ذلك لا يسعنا ، فعذرهم بجهالتهم.
واختلف أصحابه بذلك. فمنهم من وافقه ، وعذر (١) بالجهالات في الحكم الاجتهادي. وقالوا : الدين أمران :
أحدهما : معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام ؛ وتحريم دماء المسلمين ، يعنون موافقيهم. والإقرار بما جاء من عند الله جملة ، فهذا واجب على الجميع ، والجهل به لا يعذر فيه.
والثاني : ما سوى ذلك ، فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام. قالوا : ومن جوز العذاب على المجتهد المخطئ في الأحكام قبل قيام الحجة عليه فهو كافر.
واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في حال التقية ، وحكم بالبراءة ممن حرمها قال : وأصحاب الحدود من موافقيه. لعل الله تعالى يعفو عنهم. وإن عذبهم ففي غير النار ، ثم يدخلهم الجنة ، فلا تجوز البراءة عنهم.
قال : ومن نظر نظرة ، أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة وأصر عليها فهو مشرك ،
__________________
(١) وكان السبب في ذلك أنه بعث ابنه مع جند من عسكره إلى القطيف فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذرية وقوّموا النساء على أنفسهم ونكحوهن قبل إخراج الخمس من الغنيمة وقالوا : إن دخلت النساء في قسمنا فهو مرادنا وإن زادت فيهن على نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا ، فلما رجعوا إلى نجدة سألوه عمّا فعلوا من وطء النساء ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين فقال لهم : لم يكن لكم ذلك ، فقالوا : لم نعلم أن ذلك لا يحلّ لنا فعذرهم بالجهالة ثم قال : إن الدين أمران أحدهما معرفة الله تعالى ومعرفة رسله ، وتحريم دماء المسلمين ، وتحريم غصب أموال المسلمين ، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة. فهذا واجب معرفته على كل مكلف. وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة في الحلال والحرام. فمن استحلّ باجتهاده شيئا محرما فهو معذور. ومن خاف العذاب على المجتهد المخطئ قبل قيام الحجة عليه فهو كافر. (راجع الفرق بين الفرق ص ٨٨ ـ ٨٩).