النبي صلىاللهعليهوسلم نص على عليّ رضي الله عنه بالوصف دون التسمية ، وهو الإمام بعده. والناس قصروا حيث لم يتعرفوا الوصف ، ولم يطلبوا الموصوف ، وإنما نصبوا أبا بكر باختيارهم فكفروا بذلك. وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة إمامة زيد بن علي ، فإنه لم يعتقد هذا الاعتقاد.
واختلفت الجارودية في التوقف والسوق.
فساق بعضهم الإمامة من عليّ إلى الحسن ، ثم إلى الحسين ، ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين ، ثم إلى ابنه زيد بن علي ، ثم منه إلى الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وقالوا بإمامته.
وكان أبو حنيفة رحمهالله على بيعته ، ومن جملة شيعته حتى رفع الأمر إلى المنصور ، فحبسه حبس الأبد حتى مات في الحبس (١). وقيل إنه إنما بايع محمد بن عبد الله الإمام في أيام المنصور. ولما قتل محمد بالمدينة بقي الإمام أبو حنيفة على تلك البيعة ، يعتقد موالاة أهل البيت ، فرفع حاله إلى المنصور ، فتم عليه ما تم.
والذين قالوا بإمامة محمد بن عبد الله الإمام اختلفوا. فمنهم من قال إنه لم يقتل وهو بعد حي ، وسيخرج فيملأ الأرض عدلا. ومنهم من أقر بموته ، وساق الإمامة إلى محمد (٢) بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي
__________________
(١) في المناقب للكردي (٢ : ١٩) : «المعروف أن المنصور أراده أن يتولى القضاء ويخرج القضاة من تحت يده إلى جميع الكور فأبى واعتلّ بعلل. فحلف المنصور أنه إن لم يقبله يحبسه فأصرّ على الإباء فحبسه. وكان يرسل إليه في الحبس أنه إن لم يقبله يضربه فأبى فأمر أن يخرج ويضرب كل يوم عشرة أسواط. فلما تتابع عليه الضرب في تلك الأيام بكى فأكثر البكاء فلم يثبت إلّا يسيرا حتى انتقل إلى جوار الله تعالى فأخرجت جنازته وكثر بكاء الناس عليه ودفن في مقابر الخيزران».
(٢) هو أبو جعفر وكانت العامة تلقبه الصوفي لأنه كان يدمن لبس الثياب من الصوف والأبيض وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد. كان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية خرج في أيام المعتصم بالطالقان فأخذه عبد الله بن طاهر ووجه به إلى المعتصم بعد وقائع كانت بينه وبينه سنة ٢١٩ ه. فأمر به فحبس في قبة في بستان موسى مع المعتصم في داره فهرب من حبسه وتوارى أيام المعتصم وأيام الواثق ، ثم أخذ في أيام المتوكل فحبس حتى مات في حبسه. (راجع مقاتل الطالبيين ص ٣٧٦).