سابقة. ونطقه البين من غير تعليم سالف. وجميع الأنبياء بلاغ وحيهم أربعون سنة. وقد أوحى الله تعالى إليه إنطاقا في المهد ، وأوحى إليه إبلاغا عند الثلاثين. وكانت مدة دعوته ثلاث سنين ، وثلاثة أشهر ، وثلاثة أيام.
فلما رفع إلى السماء اختلف الحواريون وغيرهم فيه. وإنما اختلافاتهم تعود إلى أمرين :
أحدهما : كيفية نزوله واتصاله بأمه ، وتجسد الكلمة.
والثاني : كيفية صعوده ، واتصاله بالملائكة وتوحد الكلمة.
أما الأول فإنهم قضوا بتجسد الكلمة ، ولهم في كيفية الاتحاد والجسد كلام : فمنهم من قال : أشرق على الجسد إشراق النور على الجسم المشف. ومنهم من قال : انطبع فيه انطباع النقش في الشمع ومنهم من قال : ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني. ومنهم من قال : تدرّع (١) اللاهوت بالناسوت. ومنهم من قال : ما زجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللبن الماء ، والماء اللبن ، وأثبتوا لله تعالى أقانيم ثلاثة. قالوا : الباري تعالى جوهر واحد ، يعنون به القائم بالنفس ، لا التحيز والحجمية. فهو واحد بالجوهرية ، ثلاثة بالأقنومية ، ويعنون بالأقانيم الصفات كالوجود والحياة والعلم وسموها : الأب والابن ، وروح القدس ، وإنما العلم تدرّع وتجسد دون سائر الأقانيم.
وقالوا في الصعود إنه قتل وصلب ، قتله اليهود حسدا وبغيا ، وإنكارا لنبوته ودرجته. ولكن القتل ما ورد على الجزء اللاهوتي. وإنما ورد على الجزء الناسوتي. قالوا : وكمال الشخص الإنساني في ثلاثة أشياء : نبوة ، وإمامة ، وملكة. وغيره من الأنبياء كانوا موصوفين بهذه الصفات الثلاث أو ببعضها. والمسيح عليهالسلام درجته فوق ذلك لأنه الابن الوحيد فلا نظير له ، ولا قياس له إلى غيره من الأنبياء ، وهو الذي به غفرت زلة آدم عليهالسلام ، وهو الذي يحاسب الخلق.
__________________
(١) تدرع : تجسّد.