ولهم في النزول اختلاف. فمنهم من يقول : ينزل قبل يوم القيامة كما قال أهل الإسلام. ومنهم من يقول : لا نزول له إلا يوم الحساب ، وهو بعد أن قتل وصلب نزل ورأى شخصه شمعون الصفا (١) ، وكلمه وأوصى إليه ، ثم فارق الدنيا وصعد إلى السماء. فكان وصيه شمعون الصفا وهو أفضل الحواريين علما وزهدا وأدبا ، غير أن فولوس شوّش أمره ، وصير نفسه شريكا له ، وغير أوضاع كلامه ، وخلطه بكلام الفلاسفة ووساوس خاطره.
ورأيت رسالة فولوس التي كتبها إلى اليونانيين ؛ إنكم تظنون أن مكان عيسى عليهالسلام كمكان سائر الأنبياء وليس كذلك. بل إنما مثله مثل «ملكيز داق» وهو ملك السلام الذي كان إبراهيم عليهالسلام يعطي إليه العشور. وكان يبارك على إبراهيم ويمسح رأسه. ومن العجب أنه نقل في الأناجيل أن الرب تعالى قال : إنك أنت الابن الوحيد ، ومن كان وحيدا كيف يمثل بواحد من البشر؟.
ثم إن أربعة من الحواريين اجتمعوا وجمع كل واحد منهم جمعا سماه الإنجيل (٢). وهم : متى (٣) ، ....................
__________________
(١) شمعون الصفا : ابن توما المعروف بسمعان القانوني نسبة إلى قانا الجليل أو جبل الجليل بالقرب من دمشق. وشمعون من حواريي المسيح وكان أستاذ مرقس الهاروني صاحب إنجيل مرقس ، ويقولون أن شمعون المذكور هو الذي ألّفه ثم محا اسمه من أوله ونسبه إلى تلميذه مرقس. (ابن حزم ٨ : ٢ وخلاصة تاريخ المسيحية ص ٥٨).
(٢) الأناجيل المعتبرة عند النصارى أربعة : إنجيل متى وإنجيل مرقس وإنجيل لوقا وإنجيل يوحنا وهي عمدتهم ومرجعهم وهي التي تعترف بها كنائسهم وتقرها فرقهم ، غير أنه كانت في العصور القديمة أناجيل أخرى أخذت بها بعض الفرق كإنجيل برنابا وإنجيل مرقيون وإنجيل السبعين وغيرها وهي تتخالف مع الأناجيل الأربعة التي لم تعرف قبل أواخر القرن الثاني وكتبت بعد المسيح. (محاضرات في النصرانية ص ٣٦ وتعليف شكيب أرسلان على ابن خلدون ١ : ٥٧).
(٣) متى : ويدعى لاوى بن حلفى من قانا الجليل وكان من العشارين «جباة العشور» للدولة الرومانية في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين وما حولها وكان اليهود يحقرون تلك الوظيفة لظلم صاحبها وخضوعه لدولة أجنبيّة غير أن المسيح اختاره تلميذا من تلاميذه ولما صعد المسيح جال للتبشير في بلاد كثيرة وقد قتل بأثيوبيا سنة ٦٢ م وكتب إنجيله بالعبرية. (خلاصة تاريخ المسيحية ص ٥٢).