|
النور |
الظلمة |
|
قال : ولم يزل يولد النور ملائكة وآلهة ، وأولياء ، لا على سبيل المناكحة ، بل كما تتولد الحكمة من الحكيم ، والمنطق الطيب من الناطق. قال : وملك ذلك العالم هو روحه ويجمع عالمه : الخير ، والحمد ، والنور. |
قال : ولم تزل تولد الظلمة شياطين وأراكنة (١) ، وعفاريت ، لا على سبيل المناكحة ، بل كما تتولد الحشرات من العفونات القذرة. قال : وملك ذلك العالم هو روحه ويجمع عالمه : الشر ، والذميمة ، والظلمة. |
ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه ، والخلاص وسببه. قال بعضهم : إن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق ، لا بالقصد والاختيار. وقال أكثرهم : إن سبب المزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل ، فنظرت الروح فرأت النور ، فبعثت الأبدان على ممازجة النور ، فأجابتها لإسراعها إلى الشر ، فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملكا من ملائكته في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة ، فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية ، فخالط الدخان النسيم ، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم. والهلاك والآفات من الدخان ، وخالط الحريق النار ، والنور الظلمة ، والسموم الريح ، والضباب الماء. فما في العالم من منفعة وخير وبركة ، فمن أجناس النور ، وما فيه من مضرة وشر وفساد ، فمن أجناس الظلمة.
فلما رأى ملك النور هذا الامتزاج أمر ملكا من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة وإنما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب لاستصفاء أجزاء النور من أجزاء الظلمة فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحر ، والقمر يستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد. والنسيم الذي في الأرض لا يزال يرتفع لأن من شأنها الارتفاع إلى عالمها. وكذلك جميع أجزاء النور أبدا في الصعود والارتفاع. وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل حتى
__________________
(١) الأراكنة : جمع أركون ، وهو الرئيس والدهقان المعظم ، والكلمة يونانية.