وظهرت جماعة من المعتزلة متوسطين ، مثل ضرّار بن عمرو ، وحفص الفرد ، والحسين النجار ، ومن المتأخرين خالفوا الشيوخ في مسائل ، ونبغ منهم جهم (١) بن صفوان في أيام نصر بن سيار ، وأظهر بدعته في الجبر بترمذ (٢) ، وقتله سالم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية بمرو (٣).
وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات ، وكان السلف يناظرونهم عليها ، لا على قانون كلامي ، بل على قول إقناعي ، ويسمون الصفاتية : فمن مثبت صفات الباري تعالى معاني قائمة بذاته ، ومن مشبه صفاته بصفات الخلق ، وكلّهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنّة ، ويناظرون المعتزلة في قدم العالم على قول ظاهر. وكان عبد الله بن سعيد الكلابي ، وأبو العبّاس القلانسي ، والحارث بن أسد المحاسبي أشبههم إتقانا ، وأمتنهم كلاما ، وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، وبين أستاذه أبي عليّ الجبائي في بعض مسائل التحسين والتقبيح ، فألزم الأشعري أستاذه أمورا لم يخرج عنها بجواب فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية ، فصار ذلك مذهبا منفردا ، وقرّر طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني ، والأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني ، والأستاذ أبي بكر بن فورك ، وليس بينهم كثير اختلاف.
ونبغ رجل متنمس (٤) بالزهد من سجستان (٥) يقال له أبو عبد الله (٦) محمد بن
__________________
(١) هو أبو محرز ، من موالي بني راسب : رأس «الجهميّة» هلك في زمان صغار التابعين ، قبض عليه نصر بن سيّار وأمر بقتله فقتل سنة ١٢٨ ه / ٧٤٥ م. (راجع ميزان الاعتدال ١ : ١٩٧ والكامل لابن الأثير حوادث سنة ١٢٨).
(٢) ترمذ : اسم مدينة على نهر جيحون. (راجع معجم البلدان ٢ : ٢٦).
(٣) مرو : أشهر مدن خراسان. (معجم ٥ : ١١٢).
(٤) متنمّس : متستّر ، محتال.
(٥) سجستان : هي ناحية واسعة وولاية كبيرة كان اسم مدينتها زرنج وهي جنوبي هراة. (راجع معجم البلدان ٣ : ١٩٠).
(٦) هو أبو عبد الله السجزي (نسبة إلى سجستان) إمام الكراميّة ، من فرق الابتداع في الإسلام كان يقول ـ