* القاعدة الثانية : القول بالقدر : وإنما سلكوا في ذلك مسلك معبد (١) الجهني وغيلان الدمشقي (٢). وقرر واصل بن عطاء هذه القاعدة أكثر مما كان يقرر قاعدة الصفات. فقال إن البارى تعالى حكيم عارف ، لا يجوز أن يضاف إليه شرّ ولا ظلم. ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر. ويحتم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه. فالعبد هو الفاعل للخير والشرّ ، والإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية. هو المجازى على فعله والله تعالى أقدره على ذلك كله. وأفعال العباد محصورة في الحركات ، والسكنات ، والاعتمادات والنظر ، والعلم. قال : ويستحيل أن يخاطب العبد بأفعل وهو لا يمكنه أن يفعل. ولا هو يحس من نفسه الاقتدار والفعل. ومن أنكره فقد أنكر الضرورة ، واستدل بآيات على هذه الكلمات(٣).
ورأيت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبد الملك بن مروان وقد سأله عن القول بالقدر والجبر. فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية واستدلّ فيها بآيات من الكتاب ودلائل من العقل. ولعلّها لواصل بن عطاء ، فما كان الحسن ممن يخالف السلف في القدر خيره وشره من الله تعالى ، فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم. والعجب أنه حمل هذا اللفظ الوارد في الخبر على البلاء والعافية ، والشدّة والرخاء ، والمرض والشفاء ، والموت والحياة ، إلى غير ذلك من أفعال الله تعالى ، دون الخير والشر ، والحسن والقبيح الصادرين من اكتساب العباد ، وكذلك أورده جماعة من المعتزلة في المقالات عن أصحابهم.
* * *
* القاعدة الثالثة : القول بالمنزلة بين المنزلتين. والسبب فيه أن دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر. والكبير عندهم كفر يخرج به عن الملة ، وهم وعيدية الخوارج.
__________________
(١) تقدمت ترجمته.
(٢) تقدمت ترجمته ، وقد أخذ القول بنفي القدر عن معبد الجهني.
(٣) ذهب في هذا مذهب القدرية في أن الله تعالى غير خالق لأكساب العباد ولا لشيء من أعمال الحيوان والناس هم الذين يقدرون أكسابهم. والقدرية من أقدم الفرق والمعتزلة وريثتها.