وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟
فتفكر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين ، : لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة (١) من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة(٢).
ووجه تقريره أنّه قال : إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا ما اجتمعت سمي المرء مؤمنا وهو اسم مدح. والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح ، فلا يسمى مؤمنا وليس هو بكافر مطلقا أيضا ، لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه ، لا وجه لإنكارها ، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير
__________________
(١) الأسطوانة : العمود أو السارية.
(٢) هل هذا أول استعمال لهذه الكلمة؟ وهل هذا أول إطلاق لها؟ وهل كان واصل وأصحابه أول فرقة تسمّت بها؟ أم أن هذه الكلمة كانت تطلق قبل هذا على غير واصل وأصحابه؟ وإنها كانت تطلق في هذا العصر على جماعة من المسلمين؟
تشير بعض المراجع التاريخية القديمة ، إلى أن هذه التسمية كانت تطلق على الجماعة الذين اعتزلوا فريقي المحاربين من أنصار الإمام علي ومعاوية ، وأنهم آثروا البعد عن الفريقين تجنبا لإثارة نار الفتن وإشعالها بين المسلمين. فهذا أبو الفداء يذكر في تاريخه (أخبار أبي الفداء ١ : ١٨٠) عند كلامه على الحوادث الخاصة بالسنة الخامسة والثلاثين من الهجرة ، بعض الأشخاص الذين لم يريدوا مبايعة الإمام علي مع أنهم ليسوا من شيعة عثمان ، ثم يقول عنهم : «وسموا هؤلاء (المعتزلة) لاعتزالهم بيعة علي». ونرى أيضا صاحب «الأغاني» عند كلامه على أيمن بن عبد خريم «ج ٢٠ ص ٣٢١ طبعة دار الكتب العلمية شرح عبد الأمير علي مهنا» ، يقول : وكان أيمن يتشيّع وكان أبوه أحد من اعتزل حرب الجمل وصفّين وما بعدهما من الأحداث فلم يحضرها.
وفي تاريخ الطبري ما يشير إلى ما أشار إليه كل من أبي الفداء وصاحب الأغاني من أن هذه التسمية باسم (المعتزلة) كانت تطلق على الجماعة التي اعتزلت الفريقين المتحاربين من المسلمين. فهو عند ذكره لحوادث السنة السادسة والثلاثين من الهجرة إن «قيس بن سعد كتب إلى علي يقول : إن قبلي رجالا معتزلين ، قد سألوني أن أكفّ عنهم وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس». وهذا الإطلاق لهذه الكلمة كان كما هو واضح إطلاقا سياسيا.