لا تضامون في رؤيته» على رؤية العقل الأول الذي هو أول مبدع ، وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات. وإياه عنى النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : «أوّل ما خلق الله تعالى العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل. ثمّ قال له : أدبر ، فأدبر. فقال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك ، بك أعزّ ، وبك أذلّ ، وبك أعطي ، وبك أمنع» فهو الذي يظهر يوم القيامة وترتفع الحجب بينه وبين الصور التي فاضت منه ، فيرونه كمثل القمر ليلة البدر. فأما واهب العقل فلا يرى البتة ، ولا يشبّه إلا مبدع بمبدع.
وقال ابن خابط : إن كل نوع من أنواع الحيوانات أمة على حيالها لقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) (١) وفي كل أمة رسول من نوعه لقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢).
ولهما طريقة أخرى في التناسخ ، وكأنهما مزجا كلام التناسخية ، والفلاسفة ، والمعتزلة بعضها (٣) ببعض.
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٣٨.
(٢) سورة فاطر : الآية ٢٤.
(٣) قالا : إن الله خلق الخلق في أبدان صحيحة وعقول تامة في دار ليست دار الدنيا ، وخلق لهم معرفته وأتمّ عليهم نعمته وأمرهم بشكره. والإنسان هو الروح لا قالبه المشاهد ، والروح عالم قادر والحيوان كلّه جنس واحد وجميعها في محل التكليف فمن أطاعه أقرّه ومن عصاه أخرجه إلى النار ، ومن عصاه ، في البعض وأطاعه في البعض بعثه إلى دار الدنيا وألبسه هذه القوالب ، وابتلاه تارة بالشدّة وتارة بالراحة وتارة بالألم وتارة باللذة ، وجعل قوما في صورة الناس وقوفا في صورة الطيور ، وقوفا في صورة السباع ، وقوفا في صورة الدواب ، وقوفا في صورة الحشرات ودرجاتهم على قدر معاصيهم. فمن كانت معصيته أقلّ فصورته في الدنيا أحسن أو أكثر. فقالب روحه أقبح ، والروح لا يزال في دنياه ينتقل من قالب إلى قالب على قدر طاعته أو معصيته ، من قوالب الناس والدواب حتى تتمخّض طاعاته فينتقل إلى دار النعيم ، أو معاصيه ، فإلى دار الجحيم. (راجع التبصير ص ٨٠ و ٨١ والفرق بين الفرق طبعة دار المعرفة ص ٢٧٤ و ٢٧٥).