إنّ إغناء الكتاب والسنّة والإجماع والعقل عن كلّ تشريع سواه ، رهن اشتمالها على مادّة حيويّة وأصول وقواعد عامّة تفي باستنباط آلاف من الفروع الّتي يحتاج إليها المجتمع البشري عبر القرون والأجيال.
وهذه الثروة العلميّة من مواهبه سبحانه للأمّة بين سائر الأمم.
ومن المعلوم أنّ تبسيط المادة الحيويّة وتهيئتها للإجابة على مورد الحاجة دون نظام خاص يسهّل إنتاج الأحكام الفرعية من هذه الموادّ والأصول ، يوجد الفوضى في حقل الاستنباط.
فوزان علم الأصول بالنسبة إلى الفقه ، وزان علم المنطق إلى الفلسفة ، فكما أنّ المنطق يعلّم الباحث كيفية الاستدلال والبرهنة على المسائل العقليّة أو الكونيّة أو المعارف الإلهية ، فهكذا علم الأصول يرشد المجتهد إلى كيفيّة ردّ الفروع إلى الأصول.
المسلمون الأوائل والمسائل المستجدّة :
واجه المسلمون في فتوحاتهم واحتكاكهم مع الأمم الاخرى مسائل وموضوعات مستجدّة لم يجدوا حلّها في الكتاب والسنّة بصراحة ـ مع العلم بكمال الدين في حقلي العقيدة والشريعة ـ فأخذ كلّ صحابي أو تابعي بالإجابة وفق معايير خاصّة ، دون أن يكون هناك منهج خاص يصبّ تمام الجهود على مورد واحد ، فمسّت الحاجة إلى تدوين أصول وقواعد تضفي على الاجتهاد منهجيّة ونظاما خاصّا يخرجه عن الفوضى في الإفتاء ، فعند ذلك جاء دور أصول الفقه المتكفّل لبيان المنهج الصحيح للاستنباط.