وتردّد بين هاتين أمور بعضها أقرب إلى الحقيقة وبعضها إلى المجاز ، فالقصر للمسافر جدير بأن يسمّى رخصة حقيقة ، لقيام السّبب وهو الشهر ، فيدخل تحت قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١) وأخرج عن العموم بعذر.
أمّا التيمّم عند فقد الماء فلا يحسن اسم الرخصة فيه ، إذ لا يمكن التكليف باستعمال الماء مع عدمه ، فلا يمكن قيام السّبب ، ويجوز عند الجراحة ، أو بيع الماء بأكثر من ثمن المثل إن سوّغنا التيمم.
والسّلم : بيع ما لا قدرة على تسليمه في الحال فيقال (٢) : إنّه رخصة لعموم نهيه حكيم بن حزام (٣) عن «بيع ما ليس عنده» فإنّه يوجب تحريمه ، وحاجة المفلس اقتضت الرخصة في السلم ، وتزويج الأمة الآبقة صحيح ، لا [يسمّى] رخصة إلّا إذا قوبل ببيع الآبق.
قيل (٤) : العذر المقتضي للرخصة إن كان راجحا على المحرّم ، لم يكن مقتضاه رخصة بل عزيمة ، وإلّا لكان كلّ حكم ثبت بدليل راجح مع وجود المعارض المرجوح رخصة ، وليس كذلك.
وإن كان مساويا ، فإن قلنا بالتساقط (٥) والرجوع إلى حكم الأصل ، لم يكن
__________________
(١) البقرة : ١٨٤.
(٢) لاحظ المستصفى : ١ / ١٨٦.
(٣) أبو خالد حكيم بن حزام صحابيّ قرشيّ ، وهو ابن أخي خديجة ، كان صديقا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة وبعدها توفّي سنة ٥٤ ه. لاحظ الإعلام للزركلي : ٢ / ٢٦٩.
(٤) القائل هو الآمدي في الإحكام.
(٥) أي بتساقط الدليلين المتعارضين.