وعلّة حسنه ، كونه منفعة خالية عن أمارات المفسدة ، ولا ضرر على المالك فيها ، قضيّة للدّوران.
وهذه الأوصاف ثابتة في مسألتنا ، فثبت الحكم فيها.
لا يقال : عدم العلم بالمفسدة يثبت معه احتمالها ، وهو كاف في القبح.
لأنّا نقول : العبرة ، في قبح التصرّف المستند إلى الأمارات ، أمّا الخالية ، فلا.
ولهذا لو قام العاقل من تحت حائط محكم البناء ، مستو في وضعه ، لاحتمال سقوطه ، سفّهه العقلاء ، بخلاف ما لو كان الحائط مائلا.
ولأنّ احتمال المفسدة ثابت في الفعل والترك ، فيلزم انفكاكه عنهما ، وهو تكليف ما لا يطاق.
الثاني : أنّه تعالى خلق الطعوم قائمة في الأجسام ، فلا بدّ له من غرض ، وإلّا لزم العبث ، وذلك الغرض يعود إلى غيره ، لاستحالة النفع والضرر عليه.
وليس الغرض الإضرار ، إجماعا ، ولاستلزامه المطلوب ، إذ الضرر إنّما يتمّ بالإدراك الثابت بالتناول ، فيكون التناول مطلوبا ، فيكون [الغرض] هو الانتفاع ، إذ لا واسطة اتّفاقا.
فإن كان [الانتفاع] بإدراكها ، فالمطلوب.
وإن كان باجتنابها ، لكون تناولها مفسدة فيستحقّ الثواب باجتنابها ، أو بأن يستدلّ بها ، استلزما (١) إباحة إدراكها ، إذ ثواب الاجتناب إنّما يكون مع دعاء النفس إلى إدراكها ، فيستلزم تقدّم إدراكها.
__________________
(١) ضمير التثنية يرجع إلى الاجتناب من الطعوم في الأجسام ، والاستدلال بها.