وكذا الاستدلال بها يتوقّف على معرفتها ، الموقوفة على إدراكها. (١)
الثالث : أنّه يحسن من كلّ عاقل أن يتنفّس في الهواء ، وأن يدخل منه أكثر ممّا تحتاج إليه الحياة ، ومن اقتصر على قدر تحتاج الحياة إليه عدّ سفيها.
ولا علّة لهذا الحسن ، إلّا كونه نفعا خاليا عن المفسدة ، ولا ضرر فيه على المالك ، وهو ثابت هنا.
الرابع : أنّه تعالى حكيم لطيف بعباده ، فلو كان هذا المفروض واجبا أو
__________________
(١) وحاصل الاستدلال أنه سبحانه تبارك وتعالى خلق الطعوم في الأجسام ، فلا بدّ له من غرض ، وهو يرجع إلى غيره ، وهذا الغرض إمّا الإضرار أو الانتفاع.
فإن كان الغرض هو الإضرار ، فهو يتحقّق بتناول الطعوم ، الملازم لجواز التصرّف في الأشياء ، وهو خلاف المطلوب :
وإن كان الغرض هو الانتفاع ـ وهذا يكفي في المقصود من دون حاجة لتشقيق الانتفاع ـ فهو يتحقّق بأحد وجوه ثلاثة :
١. الانتفاع بادراك الطعوم عن طريق التناول.
٢. الانتفاع باستحقاق الثواب عن طريق اجتنابها.
٣. الانتفاع بالاستدلال بها على معرفة شيء.
والجميع يلازم جواز التصرف وإلّا لم تتحقّق هذه الأغراض :
أمّا الأوّل : فواضح ، وهو الانتفاع بالطعوم عن طريق التناول.
وأمّا الثاني : اعني استحقاق الثواب عن طريق الاجتناب فهو فرع دعوة النفس إلى إدراكها وفي ذلك يتقدم إدراكها بالتناول.
وأما الثالث : فإنّ الاستدلال موقوف على معرفة الطعوم ، الموقوفة على إدراكها بالتناول.
وأشار المصنّف إلى الوجه الأوّل بقوله : «فإن كان بإدراكها» وإلى الثاني بقوله «وإن كان باجتنابها» وإلى الثالث بقوله : «أو بأن يستدلّ بها».
واعلم أنّ أصل الاستدلال لأبي الحسين البصري في المعتمد : ٢ / ٣٢٠ ، وكلامه مجمل ، فحاول المصنّف تلخيصه بإيضاح ، ومع ذلك لا يخلو عن تعقيد ، ولاحظ : الإحكام للآمدي : ١ / ٧٠ ؛ والكاشف عن المحصول : ١ / ٣٧٦.