والحقّ الأوّل ، لنا : انّا لا نجد أمرا آخر مغايرا للإرادة ، ولو ثبت لكان أمرا خفيّا لا يعقله إلّا الآحاد ، فلا يجوز وضع لفظة الأمر المتداولة بين الخاصّ والعامّ بإزائه ، وإنّما هي موضوعة من أهل اللّغة على المعنى المتعارف بينهم.
وأيضا ، لو لم تكن إرادة المأمور به معتبرة ، لصحّ الأمر بالماضي ، والواجب ، والممتنع ، حملا على الخبر ، فإنّه لمّا لم تكن إرادة المخبر عنه معتبرة فيه ، صحّ تعلّق الخبر بهذه الأشياء.
واحتجّت الأشاعرة بوجوه :
الأوّل : أنّ الله تعالى أمر الكافر بالإيمان ولم يرده منه ، فيكون الأمر مغايرا للإرادة.
أمّا المقدمة الأولى ، فإجماعيّة.
وأمّا الثانية ، فلأنّه تعالى عالم بأنّه لا يؤمن ، فيستحيل منه صدور الإيمان ، وإلّا لزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، وهو محال.
وإذا استحال صدور الإيمان منه ، استحال أن يريده منه ، فإنّ الإرادة لا تتعلّق بالمحال.
ولأنّ صدور الفعل من العبد ، يتوقّف على داعية يخلقها الله تعالى في العبد ، لاستحالة التسلسل ، وذلك الدّاعي إن وجب عنده الفعل ، كان الله تعالى قد خلق في العبد ما يوجب الكفر ، فلو أراد الله تعالى منه في هذه الحالة وجود الإيمان ، كان مريدا للضّدّين ، وهو باطل بالاتّفاق.