يكون أحدنا أمر بما لا يريده ، أو بما يكرهه غاية الكراهة.
وأيضا لو صحّ أن يأمر بما لا يريد ، لصحّ أن يأمر بالماضي والقديم.
وأيضا لمّا صحّ في الخبر أن يكون خبرا باعتبار إرادة كونه خبرا لا باعتبار إرادة المخبر عنه ، صحّ تعلّق الخبر بالماضي والقديم ، ولمّا امتنع ذلك في الأمر ، علمنا أنّه إنّما يكون أمرا إذا تعلّقت الإرادة بالمأمور به (١).
وهذا الكلام على طوله فيه نظر ، للمنع من كون التماثل حسّا يدلّ على التماثل في نفس الأمر ، وباقي كلامه مبنيّ على أصول المثبتين ، وهي ضعيفة.
واحتجّت الأشاعرة على أنّ الإرادة ليست شرطا بوجوه :
الأوّل : لو كانت الأمريّة صفة للصّيغة ، لكانت إمّا أن تكون حاصلة لمجموع الحروف ، وهو محال ، إذ لا وجود لذلك المجموع ، أو الآحاد ، فيكون كلّ واحد من الحروف الّتي اشتقّت صيغة افعل منها أمرا على الاستقلال.
الثاني : صيغة افعل تدلّ بالوضع على معنى ، وذلك المعنى هو إرادة المأمور ، وإذا كانت الإرادة نفس المدلول ، وجب ألا تفيد الصيغة الدالّة عليها صفة ، قياسا على سائر المسمّيات والأسماء.
الثالث : يلزم أن يكون قوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ)(٢) و (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ)(٣) أمرا لأهل الجنة ، والأمر إنّما يتحقّق بوعد ووعيد ، فتكون دار الآخرة دار تكليف ، وهو باطل إجماعا.
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٤١ ـ ٥٠ نقله مع التصرف والشرح.
(٢) الحجر : ٤٦.
(٣) الحاقّة : ٢٤.